

لوكانوا جهلاء لاتبعنا معهم مبدأ "العذر بالجهل" الذى يتبعه الفقهاء، لكن للأسف معظم من حاولوا إفساد حفل تأبين شاعر مصر الكبير أحمد فؤاد نجم فى دار الأوبرا المصرية الذى أقيم أمس الأول ممن يطلقون على أنفسهم لقب "مثقف ثورى" ففى حضور المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى صابر ووزير الثقافة صابر عرب والسياسى جورج ورجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس حاول بعض الشباب استغلال فرصة المتابعة الإعلامية للحدث ووقفوا ليهتفوا "يسقط يسقط حكم العسكر" وذلك اعتراضا منهم على نظام الحكم الحالى تحت زعم أن أحمد فؤاد نجم كان شاعرا معارضا للنظم الحاكمة على طوال تاريخها ناسين أن نجم "فعلا" كان معارضا لكل الأنظمة الحاكمة على مدار تاريخه لكن النظام الحاكم الوحيد الذى أيده نجم بكل ما أوتى من قوة، وأن نجم لم يترك فرصة أو مناسبة إلا وأشاد فيها بثورة 30 يونيو ومازالت صفحات الإنترنت تحتفظ بتصوير مسجل لشاعرنا الكبير وهو يرقص على أنغام أغنية "تسلم الأيادى" ومازالت أحاديثه وحواراته تملأ صفحات الجرائد وفيها يتغنى بحب مصر التى عادت إلى أحضان أبنائها بعد 30 يونيو.


نعم قال أحمد فؤاد نجم ما قاله مالك فى الخمر ذما لحكم العسكر، لكنه فى كل الأوقات كان يفرق بين "حكم العسكر" وجيشنا الوطنى المصرى، فقد عاش نجم طوال حياته لا يرى محبوبة سوى مصر، من يحب مصر أحبه ومن يعادى مصر عاداه، وأبرز ما يميز حب نجم لمصر وحفاظه على مكانتها موقفه من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى اعتقل نجم فى عهده ولاقى ما لاقاه من اضطهاد وتنكيل على يد دولته، لكن برغم هذا كله كتب نجم قصيدة من أروع قصائده يمجد فيها عبد الناصر ويتذكره بكل خير، قائلا فى وصفه: وإحنا نبينا كده/ من ضلعنا نابت/ لا من سماهم وقع/ ولا من مرا شابت/ ولا انخسف له القمر/ ولا النجوم غابت/ فاجومى من جنسنا/ ما لوش مرا عابت/ فلاح قليل الحيا/ إذا الكلاب سابت/ولا يطاطيش للعدا/ مهما السهام صابت/ عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت/ وعاش ومات وسطنا/على طبعنا ثابت/ وان كان جرح قلبنا/ كل الجراح طابت.


هذا هوالشاعر الحق، الشاعر الصدق، لا يمنعه موقف شخصى أوتجربة مريرة من أن يرى الحق حقا ويشكره، ويرى الباطل باطلا ويفضحه، وللحق فقد استغل بعض المزايدين "أحمد فؤاد نجم" مرتين فى الهجوم على النظام الحاكم الآن المرة الأولى كانت فى عزائه الذى شهد هجوما وقحا على الدكتور حسام عيسى، نائب رئيس الوزراء والدكتور صابر عرب، وزير الثقافة والمرة الثانية كانت فى حفل تأبينه، متجاهلين بذلك موقف نجم ذاته من النظام الحاكم الآن، وأنه كان من أشد مؤيديه، ولنرى ما قاله نجم عن الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى هذا السياق إذ قال نجم: أول ما شوفت السيسى قلت ده جمال عبد الناصر، يدخل قلبك على طول، مصرى ووشه مصرى وعرف امتى الشعب نزل وخده فى حضنه وإحنا من غير الجيش منسوا حاجة و"كل سنة وأنت طيب" بل والأنكى من كل هذا هو أن الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم قبل وفاته بأيام وقع على استمارة حملة "كمل جميلك" التى تطالب بترشيح الفريق السيسى لرئاسة الجمهورية!


هذا هوموقف أحمد فؤاد نجم الذى أعلنه فى العديد من البرامج التليفزيونية والصحف المصرية، بل أنه قال أيضا أن أمريكا وإسرائيل ومن على شاكلتهما يعرفون أن السيسى هوعبد الناصر هذا العصر وهم لا يريدون أن يروا عبد الناصر آخر "بس أحنا عايزين جمال عبد الناصر تانى عشان يحمى البلد من الصراصير والتعابين واللى جوه ومن الديناصورات اللى بره" ولا أرى أبلغ مما قاله أحمد فؤاد نجم ذاته فى مقاله قبل الأخير الذى نشره فى اليوم السابع موجها حديثه إلى "نوارة أحمد فؤاد نجم" وجيلها من بعض ثوار يناير، فى مقال نشر بعنوان "لا يا قلب بابا" فى الأحد 17 نوفمبر 2013 أى قبل وفاته بأسبوعين فقط، فقد شرح "نجم" لابنته موقفه من جيش مصر وقائده الفريق أول عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أن "السيسي" لا ينتمى إلى "العسكر" الذين حاربهم نجم طوال حياته وقال ذمهم "اطفى النور يا بهية كل العسكر حرامية" لكنه ينتمى إلى تلك الفئة المخلصة المحبة لوطنها مثله مثل "أحمد عرابى، ومحمد عبيد وعبد الغنى الجمسى وسعد الدين الشاذلى وجمال عبد الناصر" ولست أرى خاتمة لهذا المقال سوى نص ما كتبه نجم موجها حديثه لمن يعتقدون أنهم يحتكرون ثورة يناير ويتحدثون باسمها ولذلك يتخيلون أنهم الوحيدون المصيبون والآخرون مخطئون، ممهدين لأنفسهم بذلك الزعم مهاجمة الجيش والهتاف ضده فى كل مناسبة.


لهم يقول نجم: اركزوا شوية وما تخلوش اليأس يتسرب إلى نفوسكم الغضة، وكل آت قريب، واوعوا حد يضحك عليكم ويخليكم تسيئوا لجيش مصر الوطنى العظيم.. فوقوا يا نوارة ما تخلوش الأمريكان والصهاينة يضحكوا عليكم، وخديها كلمة من أبوكى العجوز أنتم أول ناس قالوا «الجيش والشعب إيد واحدة»، جيشنا يا نوارة هو الجيش العربى الوحيد الموجود فى المنطقة بعد تدمير الجيش العراقى ثم الجيش السورى.













