مازلنا داخل عبائة الباب الخامس "نظام الحكم" وبعد أن أتممنا قراءة مواد السلطتين التنفيذية والتشريعية نكمل اليوم مع باقى محتوى ذلك الباب الهام، ونبدأ بمواد الإدارة المحلية والتى جاءت متشابهة فى المحتوى والصياغة بصورة كبيرة مع مثيلاتها من دستور الإخوان، لكن باستثناءين هامين حيث نصت مادة اختيار المحافظين على إمكانية أن يكون بالتعيين أو بالانتخاب، وهو ما يعد إشارة جيدة يمكن البدء فى تطبيقها فى الوقت المناسب بعد أن يتمكن النظام السياسى من الرسوخ الكامل، لكن لا يمكننى أن أخفى مخاوفى الشديدة من التعجل فى التطبيق لما يمثل ذلك من خطورة واضحة فى الكثير من المحافظات التى يتناحر أهلها على المناصب السياسية على أساس قبلى وعائلى.
أما الأمر الثانى فكان النص على تخصيص ربع المقاعد بالمجالس المحلية للشباب تحت سن ٣٥ عاما، وربع المقاعد للمرأة، وعلى أن لا يقل مجمل تمثيل العمال والفلاحين عن ٥٠٪ .
يعتبر ذلك الأمر تمييزاً إيجابياً فى محله ويمثل نقلة نوعية هامة وسيفتح الباب لتكوين أجيال جديدة من القادة المحليين والذى نحتاج إليهم بشدة.
إذا انتقلنا إلى مواد السلطة القضائية فسنجد ملاحظة عامة، حيث أتت العبارات التى تؤكد على استقلال القضاء أكثر قوة وأكثر وضوحاً، عن مثيلاتها بدستور الإخوان، مع عدم التمادى فى استخدام حجة الاستقلال لتصبح المؤسسات والسلطات جزر منعزلة داخل الدولة، وأقصد بذلك المادة التى تؤكد على مناقشة موازنة القضاء بكامل عناصرها، داخل مجلس النواب، ورفض طلب القضاه إدراجها رقم واحد، مُجمع مثل القوات المسلحة، لتستمر موازنة القوات المسلحة صاحبت ذلك الاستثناء الوحيد لدواعى الأمن القومى، على أن تناقش الموازنة التفصيلية للقوات المسلحة داخل مجلس الأمن القومى الذى يحتوى بين أعضائه رئيس مجلس النواب.
أتى أيضاً إلغاء الندب الكلى أو الجزئى للقضاة إلا فى الحالات الاستثنائية التى ينص عليها الدستور والقانون، ليشكل ذلك نهاية لعصر طويل كانت تتدخل فيه السلطة التنفيذية فى شئون القضاه بندب من تشاء من القضاه داخل مؤسسات الدولة أو إعادة من تشاء إلى منصات القضاء.
كانت المحكمة الدستورية العليا رمزاً لحرب الإخوان على القضاء، فأتى الدستور الجديد ليعيد الحق إلى أصحابه بإلغاء تحديد وتقييد عدد أعضاء المحكمة كما كان بدستور الإخوان، مع إعادة للمحكمة حقها فى الرقابة اللاحقة على القوانين مجتمعة، على العكس من دستور الإخوان الذى منع المحكمة من الرقابة اللاحقة على قوانين الانتخابات.
وكان للمحامين نصيب أيضاً حيث أصبحوا يتمتعون بالحماية القانونية ضد أى تعسف من السلطة التنفيذية "الشرطة" أثناء تأدية عملهم.
نختتم ذلك المقال بالمادة الأكثر جدلاً وهى مادة المحاكمات العسكرية، سأتناولها اليوم من المنظور الإيجابى حيث أتت المادة المناظرة فى دستور الإخوان متحدثة عن إطلاق محاكمة المدنيين عسكرياً فى التهم التى تمثل إعتدائاً على القوات المسلحة، من دون أى تحديد لتلك التهم، أما فى الدستور الجديد فقد تم تحديد ست عشرة تهمة تشمل التهم التى تمثل اعتدائاً عنيفاً مباشراً على القوات المسلحة ومنشآتها ومُعِداتها وخلافه.
أما فيها يخص المنظور السلبى لتلك المادة فسوف أتناوله فى المقال القادم والأخير فى تلك السلسلة، والتى سأتحدث به عن النظرة الكلية للدستور الجديد فى ظل الظرف السياسى الاستثنائى الحالى، مع بعض النقاط الواجب مراعاتها فى أى تعديل وتطوير دستورى لاحق، نلتقى على خير بمشيئة الله تعالى.