لم أحتمل ما كتبه الزميل تامر عبدالمنعم فى مقالين متتاليين تحت عنوان «محمد حسنى مبارك.. سيحكم التاريخ»، والذى مارس فيهما كل أنواع التضليل والتزييف عبر مقارنة مبارك بأقرانه من رؤساء الجيل المستبد من حكام منطقتنا المنكوبة، أمثال زين العابدين والقذافى وبشار. وعدم قدرتى على الاحتمال جعلتنى أكسر صيامى عن الكتابة فى «اليوم السابع»، وهى الصحيفة التى تشرفت بالكتابة لها منذ أعدادها الأولى، ثم أخذتنى هموم المهنة، لكن غرامها زاولنى وشغلنى، وهذا سبب آخر دفع قلمى للعودة، عملاً بالبيت الشعرى الشهير «نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى، ما الحب إلا للحبيب الأول».
ونعود لمقالات الأخ تامر الذى ورث مهنة الكتابة عن والده الأستاذ الكبير محمد عبدالمنعم الذى عمل لفترة مستشارًا صحفيًا لحسنى مبارك، وهو لم يقل كلمة معارضة واحدة ضده إلا بعد ثورة 25 يناير، وكلماته فى المعارضة كانت من نوع إبراء الذمة أمام الشعب المصرى، وليست معارضة بالمعنى الحقيقى، وهذا سمت الوالد، أما الابن تامر فأنا أعرفه ممثلاً معقولاً، وكاتبًا دراميًا أحيانًا «ماشى الحال»، وعلاقاته بعادل إمام، ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى جعلته فى مقدمة المشهد الفنى والثقافى، كما أنه عمل مديرًا لقصر ثقافة السينما، وكل هذا وهاتيك جعله ضمن جيل من أبناء المشاهير الذين صعدوا فى عصر مبارك، ومسحوا بلاط أبنائه، وروجوا لمشروع التوريث.. يعنى من الآخر تامر نموذج فلولى واضح، ولذلك وقف من ثورة 25 يناير منذ البداية موقفًا عدائيًا. ويضاف لما سبق سبب آخر هو أن حماه فريد الديب، محامى الشيطان، أقصد محامى حسنى مبارك، والذى رفعه تامر لعنان السماء، وجعل منه ملاكًا بعدة أجنحة، فهو حسب مقاليه سيسجل اسمه التاريخ بحروف من نور، لأنه ترك احتياطيًا نقديًا 56 مليار دولار، ولأنه لم يهرب هو أو أبناؤه، ولأنه لم يكن يريد جمال رئيسًا من بعده، ولأنه لم يسمح ببناء قواعد أمريكية فى مصر، «ولأنه ترك أقوى جيش فى المنطقة، وظل قائده الأعلى ثلاثين عامًا»، ولأنه لم يعرض قناة السويس للإيجار كما فعل مرسى. هذه أسباب سردها تامر، وختم مقاله الثانى قائلاً إن سبب كتابته للمقالين هو أنه وجد قلوبًا جاحدة لا تعرف شيئًا عن الرحمة، ولم يذكروا حسنة واحدة للرجل- يقصد مبارك- ثلاثين عامًا. ولأننى من ذوى القلوب الجاحدة التى لا تأخذها رحمة أو شفقة برجل عجوز مثل مبارك، ولأننى مواطن مادى أعشق تعذيب العجزة وأبنائهم، أرد على الأخ تامر بالآتى:
أولاً: ليس من التفاخر أن تكيل مديحًا فى غير موضعه، خصوصًا فى ميزان التقييم التاريخى لحاكم.
ثانياً: مبارك ترك مصر نعم والاحتياطى من النقدى الأجنبى 56 مليار دولار، لكن السؤال: من الذى كان يستفيد بهذا الاحتياطى؟، هناك فرق كبير بين معدل النمو، ورصيد الاحتياطى، ومعدلات التنمية، ومتوسط دخل الفرد، وهى نظرية الفطيرة وعدد الآكلين لها. الاقتصاد الناجح هو الذى تنمو فيه الفطيرة، ونصيب الآكلين من مجموع المواطنين، وما حدث فى عهد سيدك مبارك أن الأغنياء ازدادوا غنى، والفقراء ازدادوا فقرًا، ففى عام 1981 وهو العام الذى تسلم فيه مبارك الحكم ترك السادات مصر و82% من المصريين يحصلون على 18% من الدخل القومى، والعكس صحيح، وبعد ثلاثين عامًا من حكم مبارك ازدادت الهوة، فأصبح 92% من المصريين يعيشون على 8% فقط، والعكس صحيح، والدراسة من صندوق النقد الدولى عام 2010، وأصبح حسب نفس الدراسة هناك 45 مليون مصرى تحت خط الفقر العالمى، بينما ازداد عدد المليارديرات المقربين من أسرة مبارك، خصوصًا بعد استشراء وباء زواج الثروة من السلطة على يد نفس شلة مبارك وأبنائه ودولته البوليسية.
ثالثًا: مبارك لم يترك فرصة للطبقة المتوسطة التى صنعها عبدالناصر لتنمو، بل أغلق أمامها كل أبواب الترقى والحياة عبر اختراع قوانين الشللية والكوسة والواسطة، كما أنه قهر معارضيه، ودخل فى صفقات قذرة مع الإخوان، وهو سبب تمددهم كالسرطان فى نياط وثنايا المجتمع، ولولا فشل حكومات مبارك فى التعليم والصحة والثقافة والحكم المحلى ما تجذروا وتسللوا وسيطروا حتى حصدنا الحصرم.
رابعًا: أدعوك لقراءة تقرير صحيفة «الجارديان» البريطانية فى سبتمبر 2011 عن شلة جمال مبارك وأحمد عز، وكيف سيطروا على شرايين الاقتصاد، وأضف إليهم بطرس غالى، وأسألك عن عمرو طنطاوى، صديق جمال مبارك، وشلة «القطامية» كيف كانوا يحكمون مصر ليلاً. وخامسًا وسادسًا وسابعًا أسألك عن تزوير الانتخابات، والتوريث، وأمن الدولة، وعصابات الست وشقيقها وأبناء شقيقها، وكل الفساد الذى كنا نكتب عنه، وكانت تصلنا تهديدات واضحة، ولو أردت تفصيلاً اقرأ كتابى «ثوار وأوغاد»، وفيه قصص عن عصر مبارك وأولاده تجعلك تخجل عند الدفاع عنه ولو بسطر.. عمومًا أنا غير مندهش من إطلالة فلول مبارك الآن، وأجد من الحتمى والواجب الوطنى الآن ردع كل من يعيد تضليل المصريين، ويسقيهم سمًا زعافًا فى كأس شربات، يقارن فيه بين مبارك ومرسى.. طبعًا مبارك سيفوز، لكنها مقارنة أشبه بالتخيير بين الموت بالخازوق أو على طريقة محارق الهولوكوست.. مبارك كان حاكمًا فاسدًا، ومرسى كان حاكمًا فاشلًاً وفاشيًا.. الاثنان إلى الجحيم ويبقى ويحيا الشعب، وسيحكم التاريخ يا تامر .. مع تحياتى.
ملحوظة: فى عام 2005 كتبت مقالاً بعنوان «مملكة مصر ليمتد» بصحيفة «صوت الأمة»، وعام 2010 كتبت مقالاً بـ«الوفد» تحت عنوان «شلة عز وجمال اغتصبت مصر وفقأت عينيها»، وفى المرتين وصلتنى تهديدات بالقتل، وتم العصف بى، وهو ما حدث لى مع مرسى والإخوان، وبئس الحكمين.. الله ما يعيدهم يا أخى.
موضوعات متعلقة:
محمد حسنى مبارك وسيحكُم التاريخ
محمد حسنى مبارك.. سيحكُم التاريخ" 2 "
محمد الغيطى يرد على تامر عبد المنعم.. "نعم سيحكم التاريخ على مبارك بأنه فاسد ومكانه الجحيم"
الجمعة، 10 يناير 2014 11:43 ص
محمد الغيطى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي الشرقاوي
أيوه كده أكتمهم
تسلم ايدك
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد حسين
يوم من أيامك يا مبارك
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام
طبقة المستفدين و الفلول
عدد الردود 0
بواسطة:
none
none
brilliant...
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الشاذلى
من اروع ما قرأت تحياتى ايها العبقرى أصبت وانجزت
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو نور
ثوار يناير الحقيقين
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحمن
عقول صغيرة
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام زينهم
اتقى اللة يا غيطى
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب
قاوموا الفلول
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الغنى الشعراوى
لا للواهمين بوهم العوده من الماضى الفاسد