منذ ثورة 2011 ومصر منهمكة فى جدل متواصل تقريباً حول سؤال حرج: "أى نوع من البلدان نريد"؟
فى ديسمبر "كانون الأول" الماضى أدليت بإجابة نيابة عن لجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور المصرى إلى الرئيس المصرى المكلف عدلى منصور. وأكد الرئيس عدلى منصور مؤخراً أن استفتاء من يومين سيُجرى يوم الثلاثاء أو الأربعاء المقبل، ونعتقد أن هذا مسودة الدستور الجديد التى وضعت على مدى أشهر من المناقشات والعديد من المسودات، تعكس احتياجات جميع المصريين وتطلعاتهم، بغض النظر عن دينهم وانتماءاتهم ونوعهم وجنسهم ووآرائهم السياسية أو أوضاعهم الاقتصادية.
وعكس ما يقول المنتقدون فهذه الوثيقة تقلب الصفحة بصورةٍ حاسمة بالنسبة لدستور 2012 ودستور 1971 مجتمعين، وبذلك تحدد خطوة تاريخية فى طريق حكومة من المصريين وبهم ولهم. لقد وضع دستور 2012 على عجل بواسطة جناح سياسى واحد مسيطر وفى بأولويات ذلك الجناح فقط. أما دستور 1971 ففشل فى ضمان الحريات الحيوية. باختصار فشل الدستوران السابقان لأنهما حرما المصريين من الكرامة والحرية اللتين يستحقونها ويطالبون بها، وتنصل الشعب من الدستورين بشكل شعبى واسع.
بدأت عملية المراجعة فى يوليو (تموز) عندما عين الرئيس المكلف عشرة قضاة وأساتذة وفقهاء قانون لإجراء التعديلات. ثم رفعت توصياتهم بعد ذلك إلى لجنة الخمسين لإنهاء تلك المهمة ووضع أساس لحكومة ديمقراطية.
وفرت لجنة الخمسين مقعداً لكل واحد على الطاولة، بمن فى ذلك الناشطات المطالبات بمساواة النساء بالرجال والشباب. والحديث أن العملية أبعدت أصواتا دينية مهمة غير دقيق؛ فقد وُجهت دعوة إلى الجماعات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين. ومن أحزاب الإسلام السياسى لم يستجب سوى حزب النور السلفى (ولم تستجب جماعة الإخوان المسلمين). كما شاركت الطوائف المسيحية الثلاثة من المجتمع إضافة إلى ممثلين من محافظات النوبة وسيناء الأقل تطوراً.
اتضحت هذه المشاركة من كافة المجتمع المصرى أكثر عندما صوتت اللجنة على مرأى من كاميرات التلفزيون. وجرت الموافقة على كل مادة وفقرة من مواد مسودة الدستور المائتين بأكثر من أغلبية الثلاثة أرباع المطلوبة وجرى تبنى الوثيقة بالإجماع. وفى هذا العام ستتاح الفرصة لحكومة مدنية لسن القوانين التى تحسن هذه المؤسسة.
ما لاحظته عن قرب روح التضامن النادرة التى أوجدتها مسودة الدستور لتجاوز محنة مصر الحالية. كان من أكبر الهموم، ضمن هموم أخرى، إيجاد نظام حكم خاضع للمساءلة ويشمل على نحو خاص الجيش المصرى. وتعطى مسودة الدستور هذه ضمن إجراءات أخرى البرلمان لأول مرة فى تاريخ مصر، سلطة توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية وليس على التصرفات الجنائية فحسب، بل على انتهاك الدستور أيضاً. وخلافاً لدستور 1971 فمسودة الدستور الجديد تضمن أيضاً الفصل بين السلطات وتحد من فترات رئاسة الجمهورية للرئيس المنتخب إلى فترتين مدة كل منهما أربع سنوات.
وسيجرى إدخال نظام إشراف جديد على الجيش من خلال مجلس الدفاع الوطنى، والذى يجب أن يشمل مدنيين ومسئولين تشريعيين إلى جانب العسكريين. ويفصل الدستور الجرائم المحددة التى يحاكم مرتكبوها من المدنيين أمام محاكم عسكرية مما يحمى المدنيين من التفسير المتعسف للدساتير السابقة. ولأول مرة لن يمكن حل الأحزاب السياسية إلا بحكم المحكمة التابعة لقضاء مستقل.
وخلافاً لدستور 2012 كذلك، فهذه المسودة تجرم التعذيب والاتجار بالبشر وتحمى النساء ضد العنف وتلزم الدولة بتحقيق المساواة بين الرجال والنساء. فهى توفر حماية أكبر لحرية التعبير وحرية الصحافة والسعى لتحقيق المعرفة العلمية والحرية الدينية، وتوفر حماية متساوية بموجب القانون. وبشكل ملحوظ تضع المسودة كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان الموقعة عليها مصر فوق القوانين المحلية.
لا يمكن بناء المؤسسات الديمقراطية والبنية التحتية السياسية بين ليلة وضحاها. مرت دول كثيرة عبر قرون عديدة برحلات مشابهة، وليس هناك سوى أمثلة قليلة لحدوث التغيير الخطير بسرعة ويسر. حتى بعض أقدم الديمقراطيات فى العالم تجاهد حتى الآن من أجل تسيير حكومات فاعلة وبراغماتية والاستجابة لرغبات سكانها المتنوعة.
لا تزال مصر قريبة من بداية فترة حرجة فى تاريخنا المرحلى، وإننى متفائل مع ذلك أننا سنخرج من هذه المرحلة المضطربة أقوى مما كنا لإننا نرغب فى الوحدة وفى خلق بنيات سياسية ضرورية للاستقرار والرفاهية والديمقراطية لتبقى للأجيال.
ستكون للمصريين الأسبوع المقبل الفرصة للتصويت على الدستور فى استفتاءٍ شعبى، أعلم أن المصريين سيحتضنون هذه اللحظة وآمل أن يقوم العالم بذلك أيضاً. إن أمة متشبعة بماضيها مثل المصريين مستعدة للتقدم إلى الأمام.
للمزيد من أخبار التحقيقات:
يحيى الجمل: الإخوان فى النزع الأخير ومحاولات الصلح معهم فاشلة.. والدستور يراعى حقوق المواطن وواجباته.. و"موسى" لعب دورا مهما فى لجنة الخمسين.. ويؤكد: القضايا المنسوبة لـ"شفيق" لا أساس لها من الصحة
أزمة فى "الفنون الشعبية والاستعراضية" بسبب "عينى على اللى راح" لتناولها قضية استغلال الدين.. ويسرى حسان يتهم مدحت فهمى برفض إنتاج العمل لانتقاده لمسرحية "عجايب".. ورئيس القطاع يرد: أنا بطبق القوانين
تأمين الميادين الرئيسية قبيل مظاهرات الإخوان.. 20 سيارة أمن مركزى و7 مدرعات لتأمين "الأزهر".. و3 سيارات ومصفحة بمحيط محطة البحوث.. وقوات الجيش تغلق ميدان النهضة وتكثف تواجدها بمحيطى "رابعة" والمتحف
عمرو موسى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة