نشأت جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها حسن البنا عام 1928 تحمل رؤية إصلاح سياسى واجتماعى واقتصادى شامل من منظور إسلامى من خلال بناء مجتمع مسلم يقوم على الفرد متين العقيدة صحيح العبادة تتكون من خلاله أسرة تكون نواة لمجتمع يقوم على أساسه نموذج لدولة مسلمة يحتذى بها، والفكرة جبدة تستحق التقدير لكن دائما ما تكون المشكلة فى المسلك وليس فى المنهج.
تحول مسار الجماعة من أن تكون جزء من الحركة الدعوية والوطنية الفاعلة فى المجتمع إلى أن تكون جزءا من التوازنات السياسية فكانت ورقة فى يد عبد الناصر استخدمها ضد محمد نجيب ثم انقلب عليها واستخدمها السادات ضد التيار الشيوعى ثم انقلب عليها واستخدمها مبار، كفزاعة فى وجه أمريكا والغرب ليحقق من خلال ذلك توازنا فى علاقته بأمريكا ودول الغرب ولطول فترة حكم مبارك سارت الجماعة فى فلكه تضييقا بالسجن والملاحقة تارة وبالتوافق والتعاون تارة أخرى.
عقب ثورة يناير تصورت الجماعة أنها قريبة الشبه بيوسف عليه السلام، خرجت من السجن لتتقلد مقاليد الحكم ولم تع أن ما أهّل يوسف لصدارة المشهد فى فترة بالغة الصعوبة من قحط ومجاعة هو السجن وفقط فيوسف الذى زج به فى السجن ظلما وبهتانا كان قد تربى قبل ذلك فى بيت العزيز، قريب من شؤون الملك وإدارة الحكم وصنع القرار إضافة لما أتاه الله من حصافة الفكر ورجاحة العقل وحسن التأويل وكفاءة التدبير، لكن الملاحظ وبعد تجربة أن الجماعة كانت أشبه ما يكون بأصحاب الكهف الذين آمنوا بربهم حق الإيمان ولبثوا فى كهفهم سنين عددا ثم جاءوا قومهم بلغة غير مفهومة وعملة غير متداولة تعامل بها الإخوان من غياب الرؤية وانسداد الأفق وتأزم الفكر والانغلاق على الجماعة لا الانفتاح على المجتمع إضافة إلى التعنت فى التعامل مع المتغيرات السياسية حتى أبى المجتمع أن يتعامل بتلك العملة البالية.
المشكلة أن الجماعة ذات التوجه الإصلاحى كانت بعيدا عن النهج الثورى الذى يحتاج إلى سرعة الأداء والسبق بالفعل دون الانتظار لرد الفعل، لقد سعت الجماعة شرقا وغربا للبحث عن نموذج تهتدى به للنهوض بالبلاد والخروج من الإنفاق السياسية والاجتماعية والاقتصادية المظلمة التى خلفها نظام مبارك، فتارة إلى التجربة الماليزية ثم التركية وبعدها البرازيلية إلى أن اهتدت إلى الضالة المنشودة وهى اتباع نظام مبارك الذى يقوم على التعنت واللامبالاة تجاه الآخرين صوابا أو خطأ وحذت حذوه شبرا بشبر وذراع بذراع حتى وصلت إلى ما وصل إليه.
لقد كان الخطأ الفادح للجماعة أنها تصدرت المشهد السياسى دون توثيق الصلة بالمجتمع بصورة عملية وتفاعلية فى وقت لم يكن مسموح فيه بالأخطاء لمن تصدر المشهد رغما عنه أو رغبة منه، فالتسلسل المنهجى للجماعة يبدأ ببناء الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع وأخيرا الدولة لكنها تجاوزت المجتمع وانطلقت من الأسرة إلى الدولة وهذا أوجد انفصال تام بينها وبين المجتمع مما أفقدها الالتفاف الشعبى الذى هو رأسمال أى تيار أو فصيل سياسى يريد أن يتصدر المشهد ويتولى شؤون البلاد خصوصا فى مراحل التغير التى يمر بها أى مجتمع بعد ثورة عظيمة كثورة يناير.
نهاية لابد من وضع الأمور فى نصابها والقول بأن الجماعة أخطأت أخطاء سياسية فادحة كلفتها ثمانين عاما من العمل والجهد لتحقيق الهدف الذى حادت عنه ولابد للمخطئ أن يحاسب فى حدود خطأه بالقانون علما بأنها لم تكن هى الوحيدة التى تتحمل التبعة فالأخطاء طالت الجميع أحزابا وتيارات، أفرادا وجماعات ومن لم يحمل خطأ (سياسى) فليرمها بحجر، فهذا وقت الحساب للجميع أن أردنا إصلاحا وتوفيقا.
عبد النبى مرزوق يكتب: الجماعة بين الحكم والمحاكمة
السبت، 07 سبتمبر 2013 09:12 م
أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة