أتعجب من تلك البسمة الساخرة والوجه الملىء بالضحك عند الشروع فى سرد إحدى النوادر التى تبدأ بـ"مرة واحد صعيدى"، فدائما ما يعقب تلك الجملة موقفا غريبا أو سذاجة لا توصف، كالصعيدى الذى وقعت منه النقود فى شارع مظلم فذهب ليبحث عنها فى شارع مضىء، ولكن هذا ليس ما أتعجب منه، بل إننى أتعجب ممن ينسب كل موقف ساذج إلى ذلك الصعيدى الذى طالما طاله التهميش والتهكم والانسياق خلف سذاجة من يتحكمون فى زمام الأمور.
فذلك "الوطن" الذى دائما ما عانى الانفصال وعدم الاهتمام من مركزية الإعلام يعيش واقعا مريرا من الإهمال والفقر والخضوع لسياسات ساذجة، فالحق كل الحق، يجب أنه هو من يسخر منكم.
ذلك الصعيدى، بتقاسيم وجهه التى تظهر مرور الزمان، وتراث المبادئ التى تخليتم عنها، ونوادر الزمان التى لا نذكر منها إلا ما يعرفه أهل الصعيد، الحق أن يسخر منكم بدلا من أن تسخروا منه، فللأسف دائما ما يتمتع وطنى الحبيب الذى طالما عشقت التغنى بمفردات حبه بالمركزية، فتجد أن البلاد جميعا تتجمع فقط فى العاصمة، إضافة لبعض المدن المجاورة، هذه فقط هى مصر.
وأما عن باقى المحافظات، فهى مجرد أرقام وحسابات ومعلومات تائهة لا تجد مكان يأويها غير كتاب الجغرافيا المدرسى اللعين، محتضنا كل معلومة مكانية وتعداد سكانى وبُعد جغرافى فى كل محافظة، داعيا بدوره للنسيان تاريخا وفنا وثقافة تخرج من كل مدينة، فالصعيد الذى يمثل ثلث مساحة مصر، لا يشغل عقول إعلاميينا وحكامنا إلا فى النكات والمرح أو المصائب الأليمة.
وبرغم من التجاهل الإعلامى للصعيد، نجد الكثير من المبدعين والكتاب والأدباء والرسامين وأصحاب فنون النحت والديكور والمسرح داخل هذا الوطن الصعيدى، فاعذرونى إن أطلقت على الصعيد وطن، فهو قادر على بناء دولته الخاصة بزراعتها وصناعتها ووظائفها وتنميتها وثقافتها وفنها وتاريخها ومستقبلها، دون اللجوء إلى حماقة المركزية المزرية، ولا تتهمونى بإثارة الفتنة وإشعال فتيل الانقسام، كما حدث فى السودان، ولكن يجب أن تتهموا إعلامنا وحكوماتنا على مر الزمان بالفشل والتهكم وقصر النظر لأبعاد البلاد، يجب أن تصرخوا بحكوماتنا التى دائما ما تقتسم نصيب "نملة عاجزة" فى كعكة الاهتمام والإعلام والتنمية للصعيد، ويتناسون أن من أعظم من حكموا مصر كان "صعيدى"، وأن من تحمل دور الدفاع عن مصر فى حروب الفراعنة ومن أسقط قطار الفرنسيين هم أهل الصعيد، وأن أجمل ما تراه أعيننا من تاريخ وآثار هو ملك الصعيد، وأن الزراعة والصناعة والغزل ما هم إلا إنتاج صعيدى، وأن أيضا الفكر والثقافة والأدب كانوا من صنع صعيدى وصعيدى وصعيدى، وأنا الفن والإبداع والروح كانوا حقا حصريا لصعيدى.
فيا من تدعون الاهتمام بالصعيد، ويا من تدعون الحكم، ويا من تتقلدون مناصب الإعلام المختلفة، الحق كل الحق أن من يجب أن يطلق أعلى ضحكاته هو الصعيدى، وأن يبتسم على نكتة سذاجتكم، وروايات اهتماماتكم، وتوسلات نوابكم للصعيديين من أن مقعد أو منصب أو كرسى، وضعف بصيرتكم تجاه صعيد البلاد.
ويا من ولدت بشهادة ميلاد تحمل إنتاج صعيدى، لك كل الفخر إنك زرعة نبتت فى تلك التربة العظيمة، فاتّبع أحلامك وحارب مركزية هؤلاء الكّهل كى تقص يوما على منبر الحديث أنك مبدعا وُلدت يوما.. صعــيـدى
أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجهول
مرة واحد صعيدي
عدد الردود 0
بواسطة:
صعيدى وافتخر
تحياتى اليك اخى العزيز
فووووووووق
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
دعة الفتنة والوقيعة
عدد الردود 0
بواسطة:
كمال الدين
لاتغضب