تخيل معى أن بداخل كل إنسان منا جهاز صغير يسمى (تبريروميتر!)- نسبة إلى التبرير- وهو جهاز دقيق جدا ويعمل على تحويل أى معلومة غير منطقية فى عقلك إلى معلومة منطقية !، ولديه قدرة فائقة على إقناعك بها.. بل ويقوم الجهاز أتوماتيكيا بإبراز وتكبير أى أدلة تزيد من حجة الإقناع، ثم يقوم بحذف وتصغير أى أدلة عكسية من شأنها التأثير على صحة هذا الدليل.
البعض سوف يسخر من هذه الفكرة.. ولكن فكّر قليلا!، لو أنك تملك هذا الجهاز وبإمكانك وضعه بداخل من تريد كيف ستكون النتائج؟ .. ببساطة سوف تقنع هذا الشخص بأن يحبك حتى وإن كان يكرهك.. بإمكانك إثبات للجميع أنك المهدى المنتظر.. ومن السهل إقناعهم أنك ملاك نزلت من السماء لترسل هباتك على الجميع ويعم الخير عليهم فى إرجاء المكان.
وربما أنت نبى أو صحابى.. أو حتى مثاليا تخلو من أى شوائب وعيوب كباقى البشر أجمعين، من السهل أن تقول إنك قد وهبت حياتك لله وللوطن وليس لك أى أطماع ويصدقوك!.
ومن السهل إقناعهم أنك الفارس الشجاع الذى أتى خصيصا ليضحى بحياته لأجل الجميع ويصدقوك.. أو أنك الأب الروحى الذى لا يبخل على أبنائه بإعطائهم من خبراته ونصائحه الجليلة دون مقابل.
أرأيت.. كم هو جهاز عجيب.. إنه كالسحر، هل تحب الحصول عليه؟، ولكن اطمئن ليس عليك اختراع ذلك الجهاز الخيالى، فهو موجود بالفعل فى بعض العقول، فلا تتعجب بعد الآن عندما ترى حقيقة واضحة وضوح الشمس أمام عينك ثم يأتى أحدهم ويكذبها.. بل ويأتيك بالبرهان والدليل القاطع!!.
وأنا لم أعد أتعجب عندما أقرأ قصص القرآن وكيف كان الكافرون يرون المعجزة حية أمام أعينهم ورغم ذلك يكذبونها!، بل وعندهم الحجج التى تثبت ذلك!.
إن جهاز التبرير هو الأفيون الذى يخدّر الإنسان من الواقع ويعميه عن الحقائق الظاهرة.. هو الإرادة الحرّة لعدم تصديق الحقيقة المرّة.. هو أن تخدع نفسك بإرادتك ثم تُقبل على تصديق تلك الخديعة!، وتدافع عنها دفاع الشرف.. هو الراحة النفسية التى تصل لدرجة الإيمان الأعمى وتحميك من هلاكات الشك ومجهودات العقل المستميتة فى الوصول للحقيقة.. إن التبرير هو الحقيقة الكامنة التى لا تقبل جدالا من وجهة نظرك أنت!.
فلا تحزن أو تصاب بالإحباط أن كنت تحاول إثبات إحدى الحقائق بالأدلة القاطعة أمام هؤلاء ثم يقابلك برود فى الاستجابة أو يستهزئون بك، ولا تتعب نفسك فى محاولة إقناعهم ولا تستهلك حنجرتك المسكينة فى الصياح بالحقيقة.. فالله وحده هو القادر على إثباتها أمام أعينهم فى يوم من الأيام.
