لا أحد يختلف حول دكتاتورية واستبداد معظم الأنظمة العربية بما فيها النظام السورى. ولا أحد يختلف كذلك حول حق الشعوب فى الذود عن حياض حريتها فى مواجهة هذه الأنظمة حتى تتخلص هذه الأنظمة من فاشيتها واستبدادها أو تتخلص الشعوب منها. فالزمن قد تجاوز هذه الأنظمة بآلياتها وأدواتها وطرائق تفكيرها ومنهج عملها، وأدوات وآليات العصر لم تعد تقبل بوجود هذه الأنظمة.
والشعب السورى من حقه أن يثور ذوداً عن حياض حريته إما بإجبار نظامه على تطوير أداءه بما يتوائم مع روح العصر أو بخلع هذا النظام واستبداله بغيره حتى تدخل سوريا إلى هذا العصر. وقد ثار الشعب السورى ضد نظامه لأسباب موضوعية فى منطق الشعوب بعيداً عن تنظير النخب السياسية القابلة والرافضة والرمادية. إلا أن هذه الثورة الشعبية التى تفجرت فى أعقاب ثورتى تونس ومصر ــ المثل والنموذج ــ سرعان ما تحولت من ثورة شعبية سلمية إلى حالة احتراب أهلى مسلح، يستوى فى ذلك أن يكون الإخفاق من جانب الثوار فى الحفاظ على سلمية ثورتهم، أو كان نجاحاً لنظام الأسد فى استدراجهم إلى هذا المستنقع.
ودارت الرحى دون توقف فلا النظام السورى سقط ولا معارضيه تراجعوا أو انهزموا، ويبدو أن هناك من كان حريصاً على ذلك فى الأطراف الإقليمية والدولية. وبعد سقوط الإخوان فى مصر تفجرت المعادلة السورية بظهور متغير ظن فاعلوه أنه حاسم وهو اتهام الأسد باستخدام السلاح الكيماوى ضد معارضيه من جانب المعارضة بإيعاز من أطراف اللعبة على رقعة الشطرنج. فأمريكا وحلف الناتو تصوروا أن النموذج الليبى هو الأقرب إلى التنفيذ فى الظرف الراهن بعد فشل المعارضة فى الحسم ولا بديل عن الضربة العسكرية. ووقع الموقف العربى كعادته فى حيص بيص. وإيران تدرك أنها رقم فى المعادلة، وحزب الله يدرك أن وجوده مرتهن بوجود النظام السورى. وحتى لا تبدوا الحرب أخلاقية كما يصورها أوباما ويروج لها أتباعه فلابد أن نلتفت إلى أن معلومات أمريكا الاستخباراتية التى تقول بقيام الأسد بالضرب بالسلاح الكيماوى يقابلها معلومات استخباراتية روسية تقول بأن المعارضة هى من فعل ذلك. ويؤيد ما ذهب إليه الجانب الروسى ما تسرب من معلومات عن المفتشين الدوليين يقول بأن المعارضة هى من فعل ذلك. إذن لا علاقة بين ضرب سوريا واستخدام السلاح الكيماوى. وأوباما أفصح عن البلطجة الأمريكية فى هذا الإطار عندما قال: نحن من يصنع النظام الدولى ويضع قواعد اللعبة. ولذا فلا مانع لديه من العمل خارج نطاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا اعتبار للقانون الدولى. وتبقى المشكلة لدى أوباما فى عدم توافر الغطاء الدولى، وعدم ضمان ضبط النتائج على الأرض، فهناك ترسانة الصواريخ السورية المحملة برؤوس كيماوية وموجهة تجاه إسرائيل- بخلاف صواريخ حزب الله ـ فلو تم ضرب سوريا فإن سوريا ستضرب إسرائيل. وهنا تكمن المشكلة لأن مواجهة هذه الصواريخ بشبكة القبة الحديدية أو بصواريخ الباتريوت يعنى هلاك آلاف اليهود بفعل الرؤوس الكيماوية، وإن تم ضرب هذه الصواريخ فى مواقعها فإن ذلك يعنى هلاك آلاف السوريين. وفى الحالتين سيدخل حزب الله وإيران على الخط، وتنفجر المنطقة فى حرب لو بدأت فلن يوقفها أحد.
ومن هنا فإن سوريا هى أبواب الجحيم خاصة إذا ما ردت اسرائيل على الضربة السورية بالسلاح النووى. فهل يصح القيام بضربة عسكرية لنظام يلعب بورقته الأخيرة، والمعركة بالنسبة له هى معركة وجود؟. ولعل هذا يفسر تراجع حلف الناتو عن المشاركة فى ضرب سوريا. أما انهيار سوريا وسقوط الأسد فلا يعنى بالضرورة أن القادم هو الأفضل لسوريا ـ نموذج العراق ماثل للعيان ـ ولا الأفضل للمنطقة والنظام العربى، لأن أمريكا برجماتية وليس لديها أى منطلق أخلاقى فى التعامل مع الشعوب، ولا يحكمها سوى المصالح، والمصلحة الظاهرة أنها تعيد رسم المنطقة بما يخدم أهداف ربيبتها إسرائيل.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مروه عزت
شكرا