استنكر عدد من المثقفين المصريين ما قاله وزير الثقافة صابر عرب، عن أنه يجب أن نتخلى من الآن عن التاريخ العبء فى علاقتنا الدولية الثقافية، وأن تصنع فرنسا تمثالا جديدا للفلاح المصرى باعتباره هو الذى وقع على كاهله حفر القناة لوضع أكاليل الزهور عليه.
جاء هذا التصريح فى لقاء وزير الثقافة مع ارنو رانير دى فورتييه، رئيس أرشيف فرنسا السابق، والرئيس الحالى للجمعية الفرنسية لأصدقاء قناة السويس، وبصحبته الدكتور أحمد يوسف المنسق العام لمتحف قناة السويس.
يتجاهل تصريح الوزير أن هناك عدة تماثيل لنحاتين مصريين أقيمت لتوضع على قاعدة ديليسبس فى مدخل قناة السويس ببورسعيد مكان تمثال فرديناند ديليسبس الذى أسقطته المقاومة الشعبية فى حرب 1956 وكانت تعلن بإسقاطه أن قناة السويس مصرية حفرها المصريون على أرض مصرية.
وقد جرت محاولات عديدة من أطراف فرنسية وبعض رجال أعمال ومحافظين فى فترات مختلفة لإعادة التمثال إلى القاعدة ووقف لها المثقفون والنشطاء والباقون على قيد الحياة من رجال المقاومة الشعبية فى بورسعيد بالمرصاد وأحبطوها دائما وكانوا يتساءلون عن الدولة التى تضع تماثيل محتليها على بواباتها ومداخلها ويستنكرون خلط الأوراق الذى تقوم به الجهات الرسمية المتهافتة على الإغراءات التى يقدمها الجانب الفرنسى والتى لن تصب فى النهاية فى صالح التنمية أو تشغيل الشباب كما يدعون ولكنها ستذهب لجيوب لصوص المدينة الذين يتاجرون فى كل شىء بما فى ذلك التاريخ ذاته.
وعلى نفس الصعيد جاءت التصريحات الرسمية عن تعذر إقامة متحف قناة السويس فى المبنى الرئيسى لها ذو القبة الشهيرة (مبنى التحركات) ونقله إلى استراحة ديليسبس يؤكد الأديب والناشط البورسعيدى قاسم مسعد عليوة أن أى متحف هو مستودع للتاريخ وأنه يرحب بإنشاء المتحف العالمى لقناة السويس الذى كان مقترحا أن يكون بمبنى القبة بإدارة التحركات ببورسعيد لكن فوجئ بأنه سيقام فى فيلا ديليسبس بالإسماعيلية مع إغفال حق المدينتين الأخريين "بورسعيد والسويس" اللتين كانتا أول معول فى حفر القناة.
وأعرب عليوة عن استيائه وأهل بورسعيد من نقل مقتنيات متحف قناة السويس من بورسعيد إلى الإسماعيلية فقد تم نقل 16 قطعة من مبنى الهيئة ببورسعيد لتكون ضمن مقتنيات متحف الإسماعيلية وهو ما جعل الشباب فى بورسعيد يقومون بوقفة احتجاجية ضد هذا الإجراء فقد أخذوا القطع الثمينة من المتحف وتركوا مجموعة من الماكينات، والمدهش فى الأمر – كما يقول عليوة - أنه تم اكتشاف أن هذه المقتنيات غير مسجلة كآثار كما صرح بذلك مدير آثار بورسعيد الذى أكد أن الآثار ليس لها الحق فى الاعتراض على نقل مقتنيات قناة السويس من بورسعيد لأنها غير مسجلة كآثار، وهو الأمر المثير للعجب فتاريخ القناة سابق على 1859 وبه أوراق ومستندات سابقة على بداية الحفر فكيف لا يكون كل هذا مسجلا كإرث ثقافى ملك لمصر والمصريين لا للشركة وحدها.
وأكد عليوة رفض أهالى بورسعيد لخروج تراث المدينة بهذا الشكل فبورسعيد بها متحف لقناة السويس شهد حفل افتتاحها أمام الملاحة البحرية العالمية يوم 17 نوفمبر 1869 وهذا المكان كانت فيه المنصات الثلاثة الشهيرة التى وقف عليها ملوك أوروبا وكبار رجال السياسة والدين فى هذا الوقت ليشهدوا حفل الافتتاح وللأسف فان متحف بورسعيد يمكن تسميته بالمتحف الغامض لأنه منذ إعداده كمتحف لم يتم افتتاحه لا للجمهور العام ولا للسياحة الخارجية أو الداخلية ولم يراه حتى مواطنى بورسعيد.
وبالنسبة لتمثال ديليسبس أكد عليوة أن مثقفى بورسعيد رفضوا إعادة التمثال إلى قاعدته وحاربوا من اجل ذلك عدة معارك سياسية مع عدد من المحافظين ورفضوا كل الإغراءات التى قدمها الجانب الفرنسى، وقدم المثقفون مقترحات بنقل التمثال الموجود الآن فى الترسانة البحرية إلى متحف بورسعيد القومى وهو على بعد شبرين من القاعدة التى تقاتل فرنسا من اجل إعادة التمثال إليها واقترحنا أيضا وضعه فى المتحف الحربى ولكنهم رفضوا ذلك وكان أخر اقتراح أن يتم وضعه فى حديقة التاريخ القريبة من القاعدة وان يحاط بتماثيل ومجسمات للرموز والشخصيات الوطنية التى أدت أدوارا بارزة فى الخدمة الوطنية كجمال عبد الناصر وعبد الرحمن شكرى وأبطال المقاومة الشعبية الذين وثقوا التمثال بالحبال وانزلوه من على القاعدة خاصة وان حديقة التاريخ موجودة فى مكان بارز قريب من القناة ويطل عليها فندق بالاس الذى زاره شخصيات عالمية ونجوم فى السياسة والفن العالمى، اقترحنا أن تصبح الحديقة متحفا مفتوحا يضم كل هذه التماثيل ومن بينها تمثال ديليسبس.
واعتبر عليوة أن تصريح الوزير إهانة كبرى لمصر وفنانيها التشكيليين وتساءل كيف يسند لفرنسا إقامة تمثال للفلاح المصرى وهل هذا ثمن لأشياء أخرى ؟؟
وأكد أن أهالى بورسعيد يرفضون خروج التمثال لا للخارج ولا للداخل ويؤكدون على وضع ارث المدينة الثقافى فى متاحفها والبعد عن التفكير المركزى الذى يريد نقل أثار بورسعيد لوضعها فى الإسماعيلية لان الإدارة المركزية للقناة فى الإسماعيلية.
وأضاف أن ما يحز فى نفسه أن شباب صغار غابت عنهم الحقائق الكاملة يؤيدون عودة التمثال ويغفلون انه إذا كان وضع التمثال على القاعدة تاريخ فان إنزاله من عليها أيضا كان تاريخ وان القاعدة الخالية هى الأثر الباقى من حرب 1956، مطالبا بعمل حملة لإيقاف هذا التوجه والتصدى له، مؤكدا أن فرنسا لم تعتذر عن مجازرها البشعة فى الجزائر ولا عن مشاركتها فى العدوان على مصر ولا عن بشاعتها فى ضرب مدينة بورسعيد وأهلها أثناء العدوان.
ويتساءل البدرى فرغلى عضو مجلس الشعب السابق عن بورسعيد والمناضل اليسارى لماذا تقيم فرنسا تمثال للفلاح المصرى ؟ ولماذا اللجوء الثقافى لفرنسا وهل هى مركز الثقافة والوطنية المصرية ؟ ويؤكد أن وزير الثقافة عليه أن يستعين بالفنانين المصريين وفق إمكانيات مصر الثقافية لا وفق ما تريده فرنسا وعليه ألا يغفل أن هناك 125 ألف فلاح مصرى تم دفنهم تحت مياه القناة هم الأحق بالتكريم من ديليسبس.
وأضاف أنه على الوزير أن يعلم أن فرنسا أنشأت مجموعة "أصدقاء ديليسبس" التى تسعى جاهدة منذ سنوات طويلة لإعادة تمثال ديليسبس إلى مدخل قناة السويس وهو ما رفضه أهل بورسعيد دائما واعتبروه بمثابة اعتذار عن التاريخ وكأنهم اخطئوا حينما قاوموا العدوان الثلاثى واسقطوا رموزه فى 1956. وأكد البدرى أن فرنسا اعتدت علينا وقلت منا الكثيرين وان أساطيلها وطائراتها كانت تدك بورسعيد وتحرق شوارعها ومبانيها وأحيائها فى 1956، والمكان الذى تم تفجير تمثال ديليسبس فيه سقط فيه شهداء مصريين لا يعلم وزير الثقافة عنهم شيئا ولا يعلم أن فرنسا لم تعتذر عن كل الموت والخراب الذى ألحقته ببورسعيد وأهلها فى العدوان الثلاثى وان التمثال لم يتم تدميره فى وقت السلام وفى نزهة ولكن أثناء معركة دموية، الشهداء وحدهم من يملكون حق السماح لوزير الثقافة أو عدم السمح بإعادة التمثال وعليه أن يحصل على موافقتهم.
واستنكر فرغلى موقف رئيس هيئة قناة السويس الذى قام بنقل متحف الهيئة إلى الإسماعيلية دون موافقة أهلها واعتبر ذلك اعتداءا وقرصنة على بورسعيد التى لم يشارك فى صنع تاريخها. وتساءل ماذا سيفيد رئيس الهيئة عندما ينقل تراثنا وتاريخنا إلى الإسماعيلية سوى أن التاريخ سيلعنه كما لعن الطغاة والمعتدين.
ودعا البدرى فرغلى وزير الثقافة لزيارة بورسعيد والاستماع لمقترحات شعبها المتحضر الذى لا مانع لديه من وضع التمثال فى متحف للأجيال القادمة، ودعا شباب المدينة للتحرك لحماية المدينة التى تتعرض لأبشع أنواع الاعتداءات.
ومن جانبه يؤكد الفنان محمد عبلة أننا لسنا ضد التعاون بين الدول لكن متحف قناة السويس متحف مصرى والمصريين وحدهم يقررون ما يوضع فيه وما لا يوضع، وإذا كانت لدى فرنسا رغبة حقيقية فى التعاون الثقافى مع مصر فعليها أن تمدنا بالوثائق التى لديها والخاصة بالقناة. وان وزير الثقافة علية أن يفهم من الآن فصاعدا أن أى شىء له علاقة بالثقافة يجب أن يرجع فيه إلى المثقفين قبل إبرام أى اتفاق أو قرار وانه إذا تجاهل المثقفون واتخذ القرارات منفردا سيقيله المثقفون كما أقالوا من سبقه وطالب عبلة الوزير بتنظيم لقاء أسبوعى مع المثقفين لاستشارتهم فى شئون الثقافة وخطتها وان يكون هناك لجنة من المستشارين المثقفين تناقش كل الخطوات التنفيذية على ارض الواقع.
وأكد عبلة أن ديليسبس لن يكون له ذكر إلا من خلال مصر وخارج مصر لا قيمة له، وان تمثال ديليسبس مكانه المتحف لا مدخل القناة الذى هو ملك للمصريين وليس لفرنا ولا ديليسبس، وأضاف انه من الممكن عمل تمثال صرحى معاصر يوضع فى مدخل القناة وأكد انه سبق للتشكيليين عرض الفكرة على فاروق حسنى ورفض، مشيرا إلى أن استمرار تجاهل أراء المثقفين فى الشأن الثقافى لم يعد مقبولا.
عدد الردود 0
بواسطة:
S
البدرى فرغلى وزير الثقافة
جاهل
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد حمدان عبد الغنى
عودة تمثال ديليسبس