حالة من القلق تسود الأوساط السياسية من النقاش التشريعى حول إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة بالنظام الفردى.
المتابع تاريخياً يتفهم قلق البعض من النظام الفردى هذا القلق الذى يستند إلى مخاوف من عودة هيمنة الجماعات الدينية والسلفيين وفلول الإخوان فى ظل قوة المال والدعايات الدينية والمباركات السماوية على غرار ما حدث فى انتخابات 2005 وأسفر عن فوز 88 إخوانيًا معظمهم ليس له علاقة بالدور التشريعى للمجلس بل ربما بالحياة السياسية كلها، وكان يمكن أن يزيد عددهم على 120 لولا لجوء الحزب الوطنى للتزوير السافر فى الجولة الثانية.
تحفظ آخر يراه المعترضون على النظام الفردى وهو أن الاختيار فى الدوائر الكثيرة لا يتم وفقاً للدور المنوط بالبرلمان بقدر ما يكون وفقاً لمعايير قد تتعلق بالعصبية أو القبلية أو غير ذلك، مما يتيح الفرصة لسيطرة رأس المال لأى جماعات تستند على الثروة أو أنواع من الضغوط الأخرى.
ولم يسلم نظام القوائم من الانتقادات أو المخاوف، فنظام القوائم الذى يعتمد على الدوائر المتسعة حتى أن دائرة منهما كان يطلق عليها مجازاً «من طنطا إلى مالطا» نظراً لاتساع مساحتها، ومن أهم الانتقادات لهذا النظام هو أن الأحزاب التى يفتقر معظمها إلى القواعد الجماهيرية تهتم بما يطلق عليه بالعامية «توشيش القائمة» أى الاهتمام بأول اسمين فى القائمة بهدف اللحاق بعضوية المجلس عن الحصول على أقل نسبة، وهو ما يعطى الفرصة لحشو باقى القائمة بأسماء ليس لها علاقة لا بالدور التشريعى للبرلمان ولا بالحياة السياسية، وهو ما قد يستفيد به حزب يتمتع بقوة سلطوية ومساندة الدولة على غرار الحزب الوطنى المنحل، والذى مازالت بعض عناصره لها نفوذ فى بعض الدوائر حتى الآن، كما أن هذا الوضع يعطى أيضاً الفرصة لسيطرة جماعات النفوذ المالى والخديعة السماوية، وخاصة من السلفيين وفلول الإخوان.
ونضيف إلى ما سبق أن نظام القوائم يدفع بعض الأحزاب الورقية إلى ما يسمى بالتأجير المفروش لقوائم الحزب بهدف الحصول على الأموال من بعض رجال الأعمال الذين لا ينتمون لأحزاب ويتم إدراجهم على قوائم الحزب.
إلا أن ملاحظة جديرة بالذكر وهى أن موقف المعترضين على نظام القوائم يتغير بتغير تأثيرهم الجماهيرى.. فمثلاً حزب التجمع فى بدايته الأولى فى السبعينيات كان لا يقلقه النظام، حيث كان الحزب يتمتع بقاعدة جماهيرية قوية فى الشارع موروثة عن حركة اليسار والحركة العمالية فى المجتمع المصرى والتى ظلت قوية حتى نشأة حزب التجمع أو منبر اليسار عام 1967، وبدأ القلق يسود النظام الفردى مع تدهور جماهيرية هذه الأحزاب والتى وجدت فى القوائم منقذا لأزمتها الجماهيرية.
ملاحظة أخرى مهمة وهى أن جماعات الهيمنة المالية والدينية لم تعان فى أى من النظامين من أى قلق أو أرق وإنما كان الضحية دائما الجماعات السياسية التى تستند فى تواجدها إلى الدعم الجماهيرى والتغيير بالجماهير وليس بالهيمنة الفوقية أو المؤامرة، وهو ما يشكل فرقًا بين الجماعات المدنية واليسارية التى تستند إلى الرقى بمواصفات الجماهير والشعوب من أجل الوصول إلى قيادة المجتمع الأمثل من وجهة نظرها، وبين الجماعات الدينية التى تتعالى على الجماهير وترى دورها تابعا لقيادتها للمجتمع ولا تراها شريكا معه بل مقودة وتابعة لمواقفها، ولهذا ففكرة النهوض بالمواصفات الثقافية والاجتماعية بالجماهير هى فكرة بعيدة عن ذهن الجماعات ذات المرجعية الدينية أو المتسترة بها والتى تستعيض عن أداة الجماهير بسيطرة رأس المال.
وفى النهاية، تفرض ملاحظة أخرى نفسها على المناقشة وهى أن آلة الوعى الجماهيرى بالحياة السياسية والعلاقة بين الشعب المصرى ومفردات السياسة أصيبت بوعكة بعد عام ظلت مستترة وغير مرئية بفعل حركة النهوض الوطنى والتنمية التى شهدتها فترة الستينيات وأخفت حالة التردى التفاعلى بين الشعب والحياة السياسية.. وانكشفت الوعكة بمجرد وفاة قائد هذه الفترة لتجد نفسها عرضة لسيطرة جماعات ذات طابع غير وطنى وخاضعة لمصالح النظام العالمى الجديد وعلى رأسها جماعات التأسلم السياسى وجماعات الفساد، التى جعلت من أداة المال بديلا عن الوعى الجماهيرى فى اختيار ممثليهم فى الحياة النيابية بل فى الحكم ككل.
الانتخابات.. أزمة النخبة وفريضة الجماهير الغائبة .. المتابع تاريخياً يتفهم قلق البعض من النظام الفردى.. هذا القلق الذى يستند إلى مخاوف من عودة هيمنة الجماعات الدينية والسلفيين وفلول الإخوان
الجمعة، 06 سبتمبر 2013 08:58 م