كان الإعلام المصرى فى عهد مبارك إعلاماً لا يعكس إلا رؤية الحاكم ويخفى كل ما يُهدد وجود مبارك وأسرته فى سُدة الحكم فى مصر، وعندما قامت ثورة يناير وخرجت الملايين تهتف وتنادى بسقوط النظام، كان الإعلام الحكومى يصورهم على أنهم قلة مُندسة تريد زعزة أمن واستقرار الوطن، وكان التليفزيون الحكومى يبث صورة حية من نهر النيل بينما يتعرض شبابنا للقمع من داخلية العادلى التى كانت فى خدمة مبارك، وقد تعرض الإعلام الحكومى لانتقادات شديدة لموقفه المخزى تجاه الثورة ووضع كثير من الإعلاميين فى قوائم سوداء أعدها الثوار لكل من وقف ضد الثورة ولم ينحز لمطالب الثورة، كل ذلك قد يبدوا أمر طبيعيا فى ظل نظام ظل يحكم مصر ثلاثين عاما بقبضة من حديد.
لكن الغريب والمثير للدهشة أن قناة "الجزيرة" التى طالما تغنت بتخاذل التليفزيون الحكومى فى مصر عن الثوار وانحيازه لمبارك وأنها تنقل الواقع بكل حيادية قد وقعت فى نفس الخطأ!! فبينما الشعب ساخط على حكم الرئيس لمعزول مرسى، ترى الجزيرة تعرض صور مرسى فى سيرته الأولى عندما أقسم اليمن فى ميدان التحرير على رعاية مصالح الشعب ثم ما لبث أن نسى هذا القسم، وبينما تخرج حركة تمرد تجمع التوقيعات بالملايين تذيع الجزيرة أخبار عن الملايين المزعومة التى توقع لحركة تجرد الوهمية، والتى لم نقرأها إلا على شاشة الجزيرة، وبعض القنوات التى كانت تتبع رجال مرسى من الإخوان كما كان لمبارك من قبله رجاله أيضا من الحزب الوطنى البائد.
والمثير للدهشة بل والضحك أيضا أن قناة الجزيرة أثناء خروج الملايين للتظاهر فى ميادين مصر وعلى رأسها ميدان التحرير لتفويض الفريق عبد الفتاح السيسى لمحاربة الإرهاب كذبت على مشاهديها وحرمتهم من معرفة الحقيقة حيث منعت البث الحى للملايين الموجودة فى التحرير وغيره من ميادين مصر، وكتبت عبارة لا أراها إلا أنها استخفاف بعقول مشاهديها تقول فيها "نعتذر لمشاهدينا لعدم تمكننا البث المباشر من ميدان التحرير، وما زلنا نحاول "وعندما استشعرت الجزيرة الحرج من كذبها وأدركت أنه لا مفر من إذاعة صور الملايين التى توجد فى التحرير قسمت الشاشة لست أقسام لتعطى سدس الشاشة فقط كى تعرض بث من التحرير لبعض الوقت، بينما أخذت الصورة فى رابعة التى تؤيد مرسى ما يقرب من ثلثى الشاشة وبقية الشاشة صور لأماكن مختلفة مؤيدة لمرسى أيضا!!.
وأصبحت "الجزيرة مباشر مصر" هى "الجزيرة مباشر رابعة" لا تبث إلا من رابعة ولا تنقل إلا أخبار رابعة وآراء من فى رابعة وكأن مصر هى رابعة فقط، أما عن التحرير فهى لا تزال تحاول وتحاول وقد انتظرت محاولاتها طويلا لعل واحدة منها تنجح فى محاولة البث من التحرير أو غيره لمظاهرات الملايين التى خرجت دعما للجيش فى حربه على الإرهاب، لكن شيئا لم يحدث، وحتى يومنا هذا بل وتلك اللحظة التى نحن فيها الآن لا تزال الجزيرة تكابر وتعاند الواقع وتتحدى الحقيقة وتأبى أن تخرج خاسرة عندما تعترف أن ما حدث فى مصر إنما يعكس إرادة الشعب الذى قام بثورة يونيو ضد حاكم فشل فى حكم مصر تماما مثل ما حدث فى ثورة يناير، لكن على ما يبدو أن الجزيرة تحذو حذو قادة الإخوان الذين رفضوا الاعتراف بفشلهم وعزلوا أنفسهم عن الواقع وظنوا أن رابعة ورابعة فقط هى الواقع، وأن ما دونها كذب وافتراء وتعد على الشرعية المزعومة، فكانت نهايتهم وسقوطهم واحدا تلو الآخر، واليوم الجزيرة تصنع نهايتها وتنسج الكفن الذى سيدفنها فيه شعب مصر الحر.
