نعم الصبر جميل، ونعم إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، ولكن أيضا للصبر حدود, فللوطن صبر على الشعوب ولأبناء الأوطان صبر على حكامهم, وهناك صبر بين أبناء الوطن وبعضهم البعض, وهناك صبر على المآسى والمحن والابتلاءات, صبر على الفقر وضيق العيش, وكما أن هناك رضا وهناك قناعة, هناك أيضا ضجر وإحباط ويأس وقنوط , وبين كل هذا تتولد المشاعر والتفاعلات المتناقضة فتأتى الأفعال وردودها.
ولا أتمنى أبدا أن ينفد الصبر منا، أو كما يقال فلم يعد فى قوس الصبر منزع, فالوطن المثخن بصراعات حكم أشعلت الساحة بصوت البارود وسيل الدماء وحصد الأرواح وتعطيل المصالح والتأثير على اقتصاد وطن تفرغ أبناؤه للحرب والاقتتال وتناسوا العمل والإنتاج.
نعم لكل فرد منا مطالب اختلفت فيما بيننا إلا المطالب الثابتة وهى حق للجميع, كحق الحرية وحق العيش فى أمن وأمان وحق الاطمئنان للمستقبل وحق العمل كل هذا وأكثر هو أقل حقوق الحياة الواجب أن يجدها الشعب من حكامه شريطة أن يتعاون أبناء الوطن الواحد لتحقيق هذا المطلب بدلا من أن يظل حلما أبديا.
ولا حرية بلا مسئولية ولا تنمية بدون أمن وأمان، ولا إنتاج بلا هدوء نفس وسكينة وراحة بال وعجبا لشعب يطالب بكل هذا وأكثر, ثم يخرج قطاع من أبنائه كثروا أم قلوا عددا وعدة ليعلنوا حب الوطن وصدق الانتماء له ثم يشعلون النار فى الهشيم ويريدونها فتنة لا تنتهى.
وأخطر الفتن هى ما جاءت باسم الدين لتدغدغ المشاعر وتتلاعب بوجدان الأمم وتستهدف أبناءها بكل أطيافهم وأعمارهم.
وفتنة اليوم التى تطل برأسها هى فتنة قسمت الوطن نصفين، فيما بين الإخوان وجماعتهم وحزبهم ومن والاهم ومن أسموا أنفسهم التيار الإسلامى، وكأن الإسلام وحبه والذود عنه قد نزع من قلوب مخالفيهم وقد رأوا فى أنفسهم قطاعا عريضا من هذا الشعب يستحق وحده الحياة لما لا وقد ساقت إليهم الأقدار لحظات حية من التاريخ فما حافظوا عليها وما صانوها وما تعلموا من حكم الله فى عباده وحكم التاريخ فى حكامه وقادته.
وهكذا أراد الله تعالى فينا ولا راد لمشيئته وقدره، فيمن لم يحفظ النعمة ويتعلم من خطأ غيره, فالدنيا كالهشيم تأكل فينا فمن احترمها احترمته ومن أساء وتجنى ضحكت عليه، وقالت له ما أسرع الدنيا وأهونها على بارئها.
أكتب اليوم بقلم الحزن والضيق فما زال الوطن يعانى ولا يجد طريقا لأن يتعافى ولا يجد يدا تمتد وعقول تبصر لنصنع المستقبل كما نحب ونتمنى, نعم مرة أخرى للصبر حدود.
صبر الوطن على دعوات المظاهرات والفتن وإشعال النار ودغدغة المشاعر بلا تعلم من تجارب سابقة أو إخفاقات وأخطاء متتالية، صبر الشعب على بعضه البعض وحقه فى أن يعيش بلا منغصات وحقه فى الحياة الكاملة بعد ثورتين متتاليتين فى ثلاث سنوات فقط، خرج فيهما الملايين فى الشوارع ولابد لخروجهم من حصاد.
صبر الشعب على حكومات تصدت للعمل العام وتحمل المسؤولية ووجب عليها أن ترد بأفعال لا شعارات وأقوال وأن يكون هناك نتائج ملموسة لا مجرد أرقام مدروسة بدءا من إنهاء حالة تدنى الخدمات وجشع التجار ونار الأسعار وتوفير الاحتياجات اللازمة لحياة كريمة.
صبر الوطن على أمنه المفقود، ولابد له أن يعود ليفرش الأرض والوجود ويمهدها لحياة اعتادها وقدر قدره الله تعالى فيها فى وطن، قال عنه رب العرش والسماوات "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".
صبر على كل ضياع الفكر وانهيار الثقافة بين وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التى تحولت لأبواق فتن ومعاول هدم وسكب الزيت على النار بدلا من إخمادها ونشر روح الحب والتسامح والود
صبر على توقف الحاضر وانعدام المستقبل وإهانة الماضى ونزع كل جميل عنه وكأنه خرج لنا زرعا شيطانيا ما صنعناه يوما بأيدينا وحصدناه بحلوه ومره.
صبر على كل الطبائع البالية والقيم المتدنية من انهيار الأخلاق وعدم الإحساس بالمسئولية وضياع الحس القومى فى حرمة المال العام، والمحافظة عليه لكل الأجيال بدلا من هذا السلوك الفظ بدءا من انتشار الضوضاء والتلوث فى كل مكان والسباق الأعمى فى تشويه الجدران والتخلف فى كتابة الآراء والشعارات، مرورا بعدم احترام الآخر وإهدار حريته وحقه أيضا فى الحياة فنشرنا الإهمال فى كل مكان وعشنا وسط القمامة، ولم نجد لها حلا وكأنها خرجت للدنيا رغما عنا ونزعنا قيم الفضيلة فرأينا التعدى على بعضنا البعض من الخطف للسلب والنهب وعدم صيانة الأعراض وفهم الحقوق والواجبات.
قائمة الصبر علينا لا حد ولا نهاية لها وأكبر صبر هو صبر الخالق جل فى علاه على ما يراه منا ونفعله بأنفسنا وأوطاننا.
فاللهم اهدنا صبرا جميلا واهدنا، صراطا مستقيما، واهدنا لخير نصنع فيه وطنا نحبه ويحبنا، ونحفظه ويحفظنا، واهد لنا قادة نستحقهم ويستحقوننا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا, وكن لنا ولا تكن علينا، واكتب لنا طريقا للنجاة، وبابا للحياة، نحفظ فيه الوطن حيا فى قلوبنا ويقينا فى صدورنا واحفظ أمتنا من كل الفتن، ومن كل من أراد بها سوءا إلى يوم الدين.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
نسر السماء
الرعشه والارتعاش
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح لطف الله
فاللهم اهدنا صبرا جميلا
اللهم آمين
سلمت لنا مبدعا د. هاني
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالطيف أحمد فؤاد
ممتازيا دكتور
مقال هايل تحياتى
عدد الردود 0
بواسطة:
سحر الصيدلي
دائما مبدع
عدد الردود 0
بواسطة:
د صفاء الليثي
كل عام وحضرتك بخير