التعليم هو عملية تشكيل للعقل البشرى وبناء للشخصية الإنسانية على أسس علمية، ولا يوجد عاقل ينكر أهمية التعليم للفرد والمجتمع، فهو بالنسبة للفرد كالماء والهواء، وبالنسبة للدولة مسألة أمن قومى.
والمساس بالتعليم بسوء هو مساس بحياة الأفراد، وعبث بالأمن القومى للبلاد. ويبدو أن إدراكنا لأهمية التعليم ودوره فى حياة الأفراد والمجتمعات فى حاجة ملحة إلى المراجعة إذا أردنا عن حق أن نلحق بركب الحضارة الإنسانية، وإلا تخلفنا عنه ونزلنا من قطاره عند أول محطة وقوف دون أن يأسف علينا أحد. الجميع يرى بأم عينه ما وصل إليه التعليم فى مصر من تدنى، والجميع يغمض عينيه كأنه لا يرى. جميعنا لديه القدرة على تشخيص الداءات التى ألمت به، وجميعنا يحجم عن تقديم الدواء الناجع لعلاجها لا عن عجز ولكن عن تآمر بين من بعض أطراف العملية التعليمية. والمسألة بعيداً عن الجدل والمزايدة يمكن قياسها بمدى جودة مخرجات العملية التعليمية وفقاً للمعايير العالمية. فالتلميذ هو المادة الخام التى تتسلمها المدرسة لتصنيعها وتشكيلها من خلال مراحل تعليمية مرتبة ترتيبيا منهجياً محدداً، وتتوقف جودة التلميذ / المنتج على جودة المدرسة / المصنع، وكذا على جودة المدرس / الصانع، هذا بخلاف المنهج التعليمى المطلوب تصنيع الطالب وفقاً له. ونبدأ بالحديث عن المبنى المدرسى باعتباره الوعاء الذى تتم من خلاله العملية التعليمية، وهو أول ما يوضع فيها باعتباره حجر الأساس. ففضلاً عن العجز فى عدد المدارس، ولا أدرى لماذا هناك عجز فى العدد، ستجد عجز فى التجهيزات التعليمية من وسائل الإيضاح والوسائل التعليمية، ورداءة فى السبورات والمقاعد ومستوى الإضاءة ونظافة الفصول ودورات المياه والأبواب والنوافذ والحوائط والصرف الصحى. وهى مشاهد قبيحة تولد قبحاً فى النفوس والعقول والأخلاق والمستوى التعليمى، فالتشوه لا ينتج إلا تشوها والقبح لا يولد إلا قبحاً. قد لا يؤدى ذلك بالضرورة إلى فشل ظاهر فى إنتاج التلميذ /المخرج النهائى، فسيتم ضخ أعداد سنوية من الخريجين إلى المجتمع باعتبارهم فئات متعلمة تتبوأ وظائف فى الدولة، ولا يعنى هذا نجاحاً للمنظومة التعليمية، بل هو الفشل الذريع، لأن البضاعة مغشوشة ودس فيها الفشل الخفى الذى هو أهم وأخطرلأنه ينعكس فيما بعد على المجتمع كله بما يمس الأمن القومى للبلاد. ونثنى بالحديث عن المدرس / الصانع، وهو ابتداءً نتاج هذه البيئة التعليمية ومخرج من مخرجاتها. وهو مجنى عليه وجان فى آن واحد، مجنى عليه باعتباره نتاجاً ومخرجاً، وكذا فهو ضحية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة فى المجتمع، حيث وقع أسيراً لها. وهو جانى باعتباره خالقاً لما يسمى بالتعليم الموازى " الدروس الخصوصية " إلى حد الإهمال والتسيب فى التعليم الرسمى لحساب التعليم الموازى على نحو لا أخلاقى، وأضحت العملية التعليمية تجارية خالصة ،وقد ساهم فى ذلك تواطؤ من الدولة فى عدم مواجهة هذه الظاهرة هروباً من حل ما تقتضيه المواجهة من متطلبات. إذن فنحن أمام مدرس/ صانع نتاج منظومة فاشلة تنتج بضاعة مغشوشة فى تعليم موازى خارج الدائرة الرسمية يؤدى إلى مزيد من الفشل، ومزيد من البضاعة المغشوشة. دائرة الفشل والغش تضيق حول عنق العملية التعليمية حتى تكاد تخنقها وتزهق روحها. ونختم بالمناهج التعليمية التى تقوم على الحفظ والتلقين دون إعمال العقل وتفعيل دوره بعيداً عن الذاكرة الحافظة، ليس استبعاداً لها وإنما توازياً معها. المناهج التى تقوم على صناعة العقل النقدى المبدع وليس العقل المستهلك التابع. مع القضاء على التعليم الموازى الذى يكرس للعقلية المستهلكة التابعة عن طريق الحفظ والتلقين، مع البعد عن طريقة التقييم بالدرجات فهى تكرس لهذه العقلية لأنها طريقة قياس غير دقيقة، ولا تفصح عن حقيقة وجوهر البناء العقلى الذى تشيده. إن الإهمال فى التعليم يشكل جريمة اعتداء على حق الإنسان فى التعليم، كما أنه يشكل جريمة فى حق الأمن القومى للبلاد.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة