معصوم مرزوق

فى مدح «النميمة» السياسية!

الأحد، 29 سبتمبر 2013 06:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الأخطاء الشائعة فى بعض الأوساط عدم تسمية الأشياء بأسمائها، وإخفائها خلف أقنعة ملونة مزوقة، ومن بين ذلك أن نذم بعض الأفعال رغم أنها أفعالنا المفضلة، ونمتدح بعضها رغم أنها أبعد ما تكون عنا فكراً وعملاً.
بالقرب من مواقع السلطة، يعيش الأشخاص ويتحركون كأنهم يشاهدون بعضهم بعضاً لا يفصل بينهم سوى جدران من زجاج مصقول ولامع، ومع ذلك فإن الصحن الأول الذى يقدم للضيوف فى أى مأدبة هو «سيرة» ضيف آخر غير موجود!، وكأنه فاتح للشهية، فيقبل الحاضرون على تناول صحون سير ضيوف آخرين، وأيضاً غير موجودين!!.
يسميها البعض دردشة، ويعتنقها البعض الآخر كوسيلة لإثبات إلمامه ببواطن الأمور، ويهذبها بعض الفلاسفة فى مصطلح أنيق فيطلقون عليها اسم «النقد الذاتى».. المشكلة أن «الحبة» فى ذلك الصحن تتحول بقدرة قادر إلى «قبة»، وما يبدو كإشارة بريئة لشخص أو لواقعة يتسع ويتشابك بالإضافات التى تتقاطع مع أصوات الملاعق والسكاكين، ومع كل خبر جديد تتأهب الآذان وتفنجل العيون فى شراهة ونهم، استعداداً لابتلاع المزيد من التفاصيل.
والعجيب أن ضيوف المأدبة- سواء بشكل واع أو غير واع - يعلمون أن سيرتهم- أيضاً- ستكون صحناً فى أقرب مأدبة يغيبون عنها، لذلك فإنهم- فى الغالب- ينتقمون بشكل مبكر بأن يلتهموا الصحن المتاح حتى مع تيقنهم أنه فارغ أو لا تملأه سوى ألسنة مخضبة بسير الآخرين.
من المؤكد أن هناك من يعف عن مثل هذا الطعام، وينأى بنفسه عن ذلك النوع من المآدب، إلا أن هذا التعفف مذموم ومنتقد عند أصحاب النوع الأول، فهو عجز عن المشاركة، وانعزال وانطواء لا يليق بالمجتمع المخملى، ثم إن من يتبع هذا الأسلوب المذموم سوف يغامر بأن يصبح صحناً مفضلاً على كل الموائد.
ما ضير القوم لو تجاذبوا بين أسنانهم واحدًا أو واحدة، هنيئًا مريئًا فى أمسية ترفيهًا عن النفس، وتخفيفاً من جدة حياتهم اليومية؟!، أليس ذلك نوعاً من العلاج النفسى وتنفيثًا لبعض العقد؟، بل إن تلك الهواية، التى تأخذ أحيانًا شكل الاحتراف، تساعد المجتمع نفسه، حيث يحرص كل فرد فيه على الالتزام التام والمشى على الأحبال حتى يتفادى وضعه فى قائمة الطعام، وبالتالى ينصلح حال العباد ويتحقق المراد، لذلك فإن ذم فعل «النميمة» إنما هو محاولة للتجميل والتظاهر، فضلاً عن أنه يخالف الطبيعة البشرية التى من خصائصها الفضول والتلصص والتنصت.
ومن منظور فنى بحت، فإن «النميمة» هى تدريب عملى على استيعاب المنقول عن أشخاص وتقديمه فى «تقرير أمنى»، وبالتالى فليس أعجب من أولئك الذين يرون فى هذا السلوك نوعاً من الانحطاط والتدنى تأباه النفوس الكريمة، لذلك يقولون: «فى عالم الذئاب يجب أن تكون ذئباً كى تعيش»، وأعتقد أنه إذا كان من الصعب عليك أن تكون ذئباً، فحاول على الأقل أن تكون ثعلباً!.. أما إذا فشلت أن تكون هذا أو ذاك، فأنت فى نظرهم مجرد كلب!.
وفى باب النميمة لا أنسى أبداً ذلك المسئول الخليجى الذى كان يتحدث فى أمسية نيويوركية بديعة عن أحد السياسيين فى بلاده، فقال: «لقد طلبنا منه أن ينحنى لوزير الخارجية الأمريكية، ففوجئنا به يسجد له!!».. وعلى أى حال، فإن من يستمرئ صحنا فيه سيرة لآخر، يقبل فى نفس الوقت أن يؤكل لحمه ميتاً.. فهلا كرهتموه؟!.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

المن والنم

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

نميمة البوفيه المفتوح لها مذاق خاص

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة