د.طارق الدسوقى يكتب: الحقيقة الضائعة

الأحد، 29 سبتمبر 2013 03:19 ص
د.طارق الدسوقى يكتب: الحقيقة الضائعة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى وسط عالمنا المتخبط والمتسارع الخطى فى شتى وسائل الاتصال لابد أن تضيع الحقيقة ويقع الأكثرية فريسة لما يسمى بالانطباع العام. والانطباعات التى تترسخ فى ذهن الأشخاص يكون من الصعب تغييرها فى فتره زمنية قصيرة إلا إذا تكشفت الحقائق بشكل صادم وسريع يؤدى إلى زلزلة هذه الانطباعات وربما تغييرها فى فتره قد تكون قصيرة نسبيًا. ويظل صاحب هذا الانطباع يتشكك فى تلك الحقائق إذ ربما تكون هى الأخرى عبارة عن حقائق مزيفه بسبب الطوفان الإعلامى، وعندها يصبح صاحب الانطباع أكثر تشبثًا بما يعتقد به.

إن المسئولية فى تكوين الانطباع العام تقع على كل فرد على حدة وهى فى مجموعها أكثر رسوخًا وتأثيرًا على المدى البعيد من تلك المسئولية التى تقع على عاتق الإعلام بأدواته المقروءة والمسموعة والمرئية.

أحاول فى الأمثلة القادمة أن أضرب أمثله وواقعًا نعيشه الآن حتى نتجنب بقدر الإمكان أن نقع فريسة هذا الانطباع العام الذى فى الغالب يؤدى إلى سلوكيات وردود أفعال قد لاتتفق مع الحقيقه الضائعة، وسط هذا الصخب الذى نعيشه هذه الأيام.

حدثنى زميل وصديق عزيز من سوريا، أحترمه وأحترم ثقافته وعلمه، قال لى إنه حزين على المعاملة التى يلقاها السوريون فى مصر بعد عزل الدكتور مرسى، فقد قام أحد أصحاب المطاعم فى القاهرة بطرد عائله سورية من المطعم، وقال لهم إننا لن نخدم السوريين فى مطعمنا، وأضاف صديقى: والأمن المصرى يقتل ثلاثة لاجئين سوريين على قارب هاربين من جحيم بشار ويعتقل الباقين ويريد إعادتهم لسوريا. كل هذا بينما صديقى يقول إنه كان فى زيارة عمل لمصر فى مارس الماضى وقبل عزل مرسى وشعر بتفاؤل كبير، حيث كان سائق التاكسى يرفض أن يتقاضى أجرة التوصيل لأنهم من سوريا وهم ضيوف فى ظروف صعبة يجب أن يقف الجميع لمساعدتهم.

والمثال هنا واضح وجلى، سائق التاكسى يتصرف بشهامة المصريين وهو أمر من الصعب أن نربط بين هذا التصرف وبين ولاية مرسى، حيث إن هذا السائق من الجائز جدًا أن لا يكون إخوانيًا أو ربما يكون أيضًا مسيحيًا، ولكن وقع صديقى فى الانطباع أن هذا مرتبط بشخص الرئيس أو التوجه العام خلال فترة رئاسته، وأنا أؤكد لصديقى العزيز أن الأمر ليس كذلك، وأن سائق التاكسى هذا موجود مثله الكثيرون سواء جلس أو رحل مرسى عن قصر الرئاسة. أما صاحب المطعم فقد وقع فى انطباع عام خاطئ تمامًا ومغايرًا للواقع أن كل السوريين هم ضد ما حدث فى مصر منذ .٣ يونيو وحتى الآن لمجرد أن البعض منهم كان موجوداً فى رابعة، وأقول لصاحب المطعم أن إخواننا فى سوريا يعيشون فى قلب الأحداث مع مصر، فلو كان المصريون اليوم متباينين فى نظرتهم للواقع السياسى، فالسوريون كذلك أيضًا، السوريون وأعلم الكثيرين منهم يتمنون لو أن لديهم صوتاً انتخابيًا ليختاروا رئيس مصر الذى هو شىء كبير بالنسبة لهم ولما لمصر من مكانة لا يستطيع أن يزعزعها أحد فى قلب كل عربى. ولقد استمعت إلى رأى صديقى باهتمام واحترمت رأيه وأيقنت أن كلامى لن يغير من الانطباع الذى تشكل لديه ولذلك كان ردى المتواضع على صديقى أننى قلت له أن الحل موجود بكتاب الله عز وجل فى قوله : "ولا تزروا وازرة وزر أخرى" أى لا نحكم على الشعب المصرى أنه يسئ إلى السوريين لمجرد أن عائله سورية طردت من مطعم، وألا نحكم أن كل السوريين قد خانوا مصر لأن فرد أو فردين منهم ضبطوا بسلاح فى القاهرة، أو أن نحكم أن شهامة سائق التاكسى كانت فقط لأن مرسى هو الذى كان يحكم مصر وقتها، وأخيرًا لا نحكم على القائمين على أمن البلاد أنهم قتله وسفاحين، لأنه لو كان الأمن يريد أن يقتل الأبرياء الفارين من سوريا، فلماذا فتحت مصر أبوابها للسوريين واحتضنتهم حتى قبل تولى الإخوان الحكم فى السنة الماضية!.

إن ضياع الحقيقة فى كل هذه المواقف هو الذى يؤدى إلى هذا التخبط فى ردود الأفعال لدى الجميع ويظل فى النهاية ما ترسخ لدى المصريين والسوريين من ارتباط أبدى لا يستطيع أن يعبث به تلك الأفعال أو ردود الأفعال الطائشة بسبب تلك الحقيقة الضائعة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة