عقب ثورة 14 يناير أو «جانفى»- كما يقولون فى تونس- جاءتنى العديد من الدعوات لإقامة حفلات شعرية فى العديد من مدن تونس من خلال رجل أعمال مصرى شاب اسمه «أحمد سمير» وهو مؤسس جمعية الأخوة المصرية التونسية.. كان هذا قبل تولى حزب النهضة- وهو الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بتونس- لمقاليد الحكم.
وبالفعل سافرنا إلى تونس العاصمة ثم بعدها بقرابة الشهرين سافرنا إلى مدينة «قابس» ثم بعدها سافرنا إلى مدينة «القصرين» بالجنوب وأقمنا كل حفلاتنا تحت شعار «معًا لإلغاء التأشيرات بين الدول العربية» وهو الشعار الذى اختارته «رابطة محبى هشام الجخ» ليكون قضيتها الأولى وهدف تجمعها.
بعد الانتخابات التونسية وفوز حزب النهضة تلقيت دعوات من الحزب لإقامة حفل شعرى هناك.. لم أرفض بالطبع.. حتى إن الصحافة ووسائل الإعلام التى استقبلتنى فى المطار سألتنى عن دعمى لحزب النهضة ولجماعة الإخوان المسلمين التونسية فأجبت أننى قادم لشعب تونس العظيم ولا شأن لى بأى جماعات أو توجهات سياسية داخلية.
فى تونس.. قابلت أحد العازفين الفلسطينيين المقيمين برام الله- الضفة الغربية بفلسطين.. أظهر لى إعجابه بى وأخذ يقرأ علىّ قصائدى - خاصة قصائد المقاومة والوحدة العربية وعيناه تلمعان بكل معانى حروف القصيدة كما لو أنى أنا من يقولها.
أصبحنا أصدقاء سريعا وبدأ يُسمعنى أغانى فرقته الموسيقية التى تتحدث كلماتها عن وجع الاحتلال والغربة، وقهر المستعمر والحنين إلى البلاد ومفاتيح البيوت الفلسطينية التى اغتصبها الصهاينة، ولكنها ما زالت فى جيب كل مواطن فلسطينى كرمز للعودة وللصمود.
كنتُ قد اعتدتُ كلما جلست إلى أحد الأصدقاء من دولة عربية أن يطلب منى زيارة بلده بعد نصف ساعة- على الأكثر- من تبادل الحديث.. وقد فاجأنى صديقى «سامر» الفلسطينى أنه الوحيد الذى لم يتطرق لهذه الدعوة حتى إننى سألته بشكل مباشر: لماذا لا تقدم لى الدعوة لزيارة فلسطين؟.. أجابنى بسرعة لأننى أثق تماما فى رفضك للدعوة.. فسألته: لماذا؟ فأجابنى لأن كل الشخصيات العامة العربية يرفضون زيارتنا فى رام الله ويعتبروننا من حملة جوازات السفر الإسرائيلية، ومن خونة القضية ولا نستحق أن نكون جزءًا من الأمة العربية أو الأمة الإسلامية.
أنهيتُ حديثى مع «سامر» سريعا وبدأت أهتم بالموضوع.. نحن أمام شعب يرفض الاحتلال ويقاومه ويرفض أن يترك أرضه ويرحل مهما كانت الضغوط.. نحن أمام شعب غير مسلح يقاوم بقواه الناعمة «بغنائه وقصائده ولوحاته وصوره» ويرابض حول المسجد الأقصى ويرفض الرحيل إلى بلاد أخرى ويكوّن سلطة تسمى «بالسلطة الفلسطينية» تعتمد فى بقائها على ذاتها أو على بعض المساعدات العربية بدون موارد حقيقية مستقلة أو جهاز أمنى حقيقى يحميها ويحفظ قراراتها.
هذا الشعب- رغم ما يعانيه- نجح فى البقاء، ونجح فى الحصول على مقعد بالأمم المتحدة العام المنصرم 2012.. هذا الشعب يتمسك بعروبته إلى آخر خطوة يمكن أن يخطوها، ويصر على بقائه فى الأرض حتى ولو جرّفوا هذه الأرض من تحت قدمه، ولكن الكيان الصهيونى نجح فى دب الفُرقة والوقيعة بين أبناء هذا الوطن ونجح- بدهائه- أن يحول الفلسطينيين إلى فريقين متناحرين.. الأول هو «حماس» وهى جزء من جماعة الإخوان المسلمين وتسيطر على قطاع «غزة» ولها حدود مشتركة مع مصر.. والثانى هو «فتح» وتسيطر على الضفة الغربية ولها حدود مشتركة مع الأردن.. وكلا الفريقين لهما تاريخ طويل فى المقاومة والصمود أمام العدو الصهيونى.. ولكن نجح العدو الصهيونى «مؤخرا» بعد أزمة الانتخابات الأخيرة فى فلسطين فى شق الصف تماما بين الفريقين.. حتى إنهم قد انشغلوا عن عدوهم الرئيسى، وأمعنوا فى تشويه صورة بعضهم البعض لتنعم «إسرائيل» - للأسف- بهدوء وراحة بعيدا عن نشاطات المقاومة التى كان يقوم بها الطرفان ضدها.
لقد أصبحت حركة «حماس» هى المقاوم الأول لحركة «فتح».. وحركة «فتح» هى المقاوم الرئيسى لحركة «حماس».. حتى وصل الأمر إلى حمل السلاح على بعضيهما البعض بدلا من توجيهه إلى صدور الغاصب الإسرائيلى.. وأصبح الأمر يحتاج إلى وقفة من مثقفى العرب وشخصياتهم العامة وحكامهم للتدخل- وبشكل ظاهر وبيّن ومعلن للجميع- لتوحيد الصفوف مرة أخرى ومنع ممارسات التشويه التى يقوم بها الطرفان ضد بعضيهما، وإلا فسينتهى التعاطف العربى تماما مع كلا الطرفين، وستقع قضية فلسطين فريسة مجهزة ووجبة طازجة فى يد الصهاينة.
أذكر فى شتاء العام الماضى عندما أعلنتُ عن زيارتى لقطاع «غزة» كم الرسائل التى وصلتنى على صفحتى فى «الفيس بوك» تحذرنى من السفر إلى هناك وتصف أهل «غزة» بالإرهابيين ومحبى السلطة والخونة و.. و.. ولكن بالطبع هذا لم يثننى عن السفر، وسافرت إلى «غزة» وأقمت ثلاث حفلات رغم مرضى الشديد فى هذه الفترة.. وها أنا اليوم أعلن سفرى لرام الله بالضفة الغربية لتنهال علىّ الرسائل مرة أخرى تنصحنى بعدم السفر، وتصف أهل رام الله بالخونة ومناصرى التطبيع و.. و.. وطبعا كل هذا لن يثنينى عن السفر إلى رام الله، كما لم يثننى من قبل عن السفر إلى غزة.
أكتب مقالى هذا لأقول لكل مثقفى مصر والعالم العربى ولكل الشخصيات العامة فى كل أرجاء الوطن العربى، إن عليكم دوراً مهما ورئيسيا، وستُسألون عليه أمام الله عز وجل فى استغلال قوتكم الناعمة لتوحيد الصفوف بين الفصيلين الفلسطينين من خلال زيارتكم لكليهما، وعدم إهمال فصيل دون الآخر لكى لا يشعر أحدهما بالمنافسة والنصر على الآخر فيستمر النزاع.
إن الشائعات التى يتم ترويجها بخصوص زيارة «غزة» من خلال الأنفاق كاذبة.. فقد زرت غزة ومعى فريقى بالكامل من خلال المعبر وبشكل قانونى.. وأيضا الشائعات التى يتم ترويجها بخصوص الختم الإسرائيلى على جواز السفر أثناء زيارة «رام الله» أيضا شائعات كاذبة فنحن نمر من خلال معبر فلسطينى أردنى لا وجود للقوات الإسرائيلية فيه.
إن الترويج لفكرة عدم زيارة المسجد الأقصى أثناء الاحتلال هى فكرة صهيوينة بحتة وهو الهدف الأمثل الذى يريده الإسرائيليون.. أنا شخصيا سأبدأ بنفسى وبفريقى وسنذهب لنصلى فى المسجد الأقصى- إن شاء الله- رغما عن أنوف الصهاينة ولو منعونا من دخوله فسنصلى على عتباته ليرونا هم بأعينهم ويعلموا أن هذه الأمة لن تترك أولى قبلتيها ولن تنساها حتى لو كانت محتلة.
إن مقاومة الاحتلال لا تكون بإهمال الأرض والبعد عنها و«تتفيه» الشعب المقاوم الرابض فيها.. سنزور القدس- إن شاء الله- وسنلتقى بأهل رام الله «الجبارين».. وسأعود لأروى على حضراتكم كل دقيقة مرت فى رحاب القدس الشريف.
عدد الردود 0
بواسطة:
د.زياد ابوالهيجاء
توضيح
عدد الردود 0
بواسطة:
شروق
رائع