43 عاما تمر اليوم على رحيل جمال عبدالناصر، ومع ذلك مازال حضوره طاغيا، رغم حملات التشويه ضده التى قادتها أمريكا وإسرائيل وجماعة الإخوان وأطراف أخرى لنحو أربعين عاما.
اجتمع هؤلاء على أن مصالحهم تتعارض كلية مع مشروع جمال عبدالناصر، فلم يجدوا غير بث الأكاذيب والشائعات المغرضة لتشويه الرجل وتجربته أملا فى عدم تكرارها، ورغم ذلك ظل جمال عبدالناصر حاضرا، ففى كل مظاهرة تجد صوره مرفوعة، وفى كل مناسبة تجد خطاباته حاضرة كروشتة علاج ليس لقضايا مصر فقط وإنما لقضايا المنطقة العربية وكل شعوب العالم الثالث.
الأقدار دائما تقف فى صف هذا الرجل العظيم لتكشف حقيقة الأكاذيب التى يبثها المغرضون ضده، ولعل ما يحدث الآن فى مصر وبعد أن جرب المصريون حكم جماعة الإخوان الفاشل أصبحنا أمام وصلة دفاع «قدرية» عن جمال عبدالناصر، تكشف حجم كل الزيف الذى أشاعوه، منذ أن بدأت حملات الهجوم الضارية ضده عام 1974.
أصدر السادات قراره بالإفراج عن قيادات جماعة الإخوان فى السبعينيات من القرن الماضى، لتبدأ معركة الثأر من عبدالناصر الذى كشف حقيقتها مبكرا ودخلت معه فى صراع ضارٍ من أجل أن تفرض هيمنتها على ثورة 23 يوليو 1952، وانتهى الفصل الأول من هذا الصراع بتدبير «الجماعة» لمؤامرة اغتيال جمال عبدالناصر بالرصاص فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، وخرج عبدالناصر منها سالما وارتفعت شعبيته إلى عنان السماء، وحدثت اعتقالات واسعة بين صفوف الجماعة.
على نغمة واحدة، صارت حملات الأكاذيب ضد جمال عبدالناصر، تنهش كل شىء فعله من أجل مصر، ووصلت إلى حد «الفجر» و«العهر» بالتعامل مع المعارك الوطنية الرائدة التى خاضتها مصر فى الخمسينيات والستينيات على أنها كانت نزوات من عبدالناصر.
كانت محاولة الإخوان لاغتيال جمال عبدالناصر، هى الدليل المتواصل على دموية الجماعة، والتى شهدت فى عام 1948 اغتيالها لـ«النقراشى» باشا رئيس وزراء مصر لقراره بحل الجماعة، واغتيالها للمستشار أحمد الخازندار، وجاءت محاولتها اغتيال جمال عبدالناصر استكمالا لهذا المسلسل الدموى، وبالرغم من ذلك استخدمت كل الوسائل للتشكيك فى هذه المحاولة، بأنها لم تقم بها وإنما كانت تمثيلية من جمال عبدالناصر للتخلص منها، ولنلاحظ أنها تستخدم نفس الأسلوب الآن، فقواعدها الذين تربوا على أن الجماعة لا يأتيها الباطل أبدا، كما صدقوا أكاذيب قادتها المشككة فى محاولة اغتيالها لجمال عبدالناصر، تجدهم الآن يرددون أكاذيب مثل، أن الجيش هو الذى نفذ المجزرة التى راح ضحيتها 26 جنديا فى سيناء، وأن محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم مدبرة، وقس على ذلك أمثلة أخرى.
كانت أكاذيب الإخوان حول محاولتها اغتيال جمال عبدالناصر تمضى دون أن تقف على ساقين، فبالإضافة إلى أن عددا من قادتها اعترفوا بالمحاولة، وأنها تمت من التنظيم الخاص للجماعة، كان التاريخ السابق لها فى ذلك يزكى هذا النهج، ثم جاءت الوقائع اللاحقة والتى يعيشها المصريون الآن لتعطى خير إثبات للمحاولة، وهذا هو مقصد القول بأن الأقدار تفضحهم.
كان التشكيك فى محاولة اغتيال جمال عبدالناصر هو الطوبة الأولى فى البناء الهش لتشويه تجربته كلها، والذى وصل إلى حد التشكيك فى جدوى مشروع عملاق مثل السد العالى، وتأميم قناة السويس والذى غير خريطة العالم كله، وهزيمة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، التى كانت أبرز معالمها غياب شمس الإمبراطورية البريطانية، فى رحلة التشويه لا تجد إخوانيا يحدثك عن معركة الجلاء وخروج الاستعمار البريطانى من مصر، لا تجد إخوانيا يحدثك عن مسئولية الملك فاروق عن اغتيال حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها، وتلك مفارقة غريبة، فبينما هم ينظرون إلى جمال عبدالناصر بنظرة بغض، لا تجدهم يحملون نفس هذا الشعور نحو «الملك» الذى اغتال مرشدهم الأول ومؤسس جماعتهم، فما السبب فى ذلك؟!
المسألة هنا تتعلق بتشويه عبدالناصر كمشروع وطنى نقيض لمشروع الإخوان، مشروع عبدالناصر هو المشروع الذى يعبر عن «الوطنية الجامعة» لمصر، بعدم التفريط فى العدالة الاجتماعية بالتوزيع العادل للثروة، مشروع ينحاز إلى الفقراء وهم الغالبية الساحقة للشعب المصرى، مشروع يقوم على النهضة الصناعية، مشروع يؤكد أن أمن مصر القومى لا يقف عند حدودها الداخلية وفقط، وإنما يمتد إلى خارج حدودها، مشروع يضع الصراع مع إسرائيل فى مكانه الصحيح، فهو صراع وجود لا صراع حدود، مشروع يضع المواطن المصرى على قدم المساواة أمام القانون، مشروع يقوم على أن الطبقة الوسطى هى العمود الحقيقى للتقدم، مشروع يقوم على عدم التفريق بين المصريين على أساس الديانة، مشروع هو فى حقيقته أعظم ما قدمه حاكم عربى للإسلام والمسلمين.
مشروع عبدالناصر هو المشروع الحقيقى للنهضة، ولهذا تكالبت عليه القوى التى لا تريد لمصر قائمة، وبقدر ما حاربت هذه القوى عبدالناصر فى حياته، حاربته أيضا بعد رحيله، وأنفقت من أجل ذلك ملايين الدولارات، وكان الهدف ألا ترى مصر عبدالناصر من جديد، وإذا كان هو لا يتكرر، وحسب القول البليغ فى معناه للكاتب الراحل محمود عوض: «عبدالناصر لا يأتى إلا ربع ساعة كل قرن»، فإن الحرب الحقيقية التى تواصلت بعد رحيله، كان هدفها الرئيسى هو عدم تكرار مشروعه الوطنى، وذلك هو الهدف الحقيقى من سنوات التشويه التى طبختها وذكرتها جماعة الإخوان ضده.
يحدثك الإخوان عن أن عبدالناصر كان ديكتاتورا، وهاهو الشعب المصرى جربهم فى الحكم ليرى منهم أنهم مارسوا الديكتاتورية، وكان الاستعلاء الذى مارسوه ضد الشعب المصرى واحدا من صور ديكتاتوريتهم، يحدثك الإخوان بوصفهم المعبرين الوحيدين عن الإسلام، ولما جربهم المصريون فى الحكم تأكدوا أن الدين لديهم تجارة لأجل الوصول إلى الحكم، فعلوا كل ذلك بينما ظلت قلوب المصريين تتعلق بجمال عبدالناصر رغم 43 عاما من رحيله.
فعل الإخوان كل شىء من أجل تشويه جمال عبدالناصر، ليقولوا للشعب المصرى إن لديهم المشروع البديل، ثم جاءت فجيعتهم فى ثورة الشعب المصرى عليهم، ليثبت لهم أن كل ما صنعوه من أكاذيب وتشويه فى حق جمال عبدالناصر لم يؤت ثماره، والشاهد كل هذا الحنين للرجل الذى عاش فقيرا ومات فقيرا، وكان يردد بكل فخر «أنا ابن رجل فقير وأعاهدكم أن أبقى فقيرا» وصدق فى عهده، ولأنه كان كذلك شاءت العناية الإلهية أن يرى المصريون حكم الإخوان لمدة عام بممارستهم البغيضة، ليتأكدوا أن ما يقدم للناس من منافع هو الأبقى، وهكذا فعل جمال عبدالناصر، فتحية له فى ذكرى وفاته.
سعيد الشحات يكتب : عام من حكم «الإخوان» ينسف كل الأكاذيب التى ذكرتها فى أكثر من 40 عاما ضد جمال عبدالناصر
السبت، 28 سبتمبر 2013 03:00 ص