محمد مصطفى يكتب : برز «العادلى» يوماً فى ثياب الواعظين .. قراءة فى عبارات العنصرية والطبقية والعنف بالتسجيل الصوتى لوزير الداخلية الأسبق

الخميس، 26 سبتمبر 2013 01:52 ص
محمد مصطفى يكتب : برز «العادلى» يوماً فى ثياب الواعظين .. قراءة فى عبارات العنصرية والطبقية والعنف بالتسجيل الصوتى لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يروى أن أبا حنيفة كان فى حلقة درس، وكان يعانى من داء، يمنعه من أن يثنى رجليه، وفيما هو مستغرق فى الشرح والتفسير، دخل المسجد رجل، ترتسم على محياه قسمات الوقار، له لحية بيضاء مهذبة، يعتمر عمامة خضراء، فشرع يصغى باهتمام، فما كان من الفقيه الجليل إلا أن ضم رجليه تأدبًا واحترامًا.

ولمّا كان أبوحنيفة، يشرح أن على الصائم الإمساك، لمَّا يتبين الخيط الأبيض من الأسود، بادره الوافد الجديد بسؤال: وما العمل إن أشرقت الشمس قبيل الفجر؟ فأجاب: العمل أن يمد أبوحنيفة رجليه!

هذه القصة التى ترد ضمن مُلح ونوادر التراث العربى، وتُروى للدلالة على أن قول الرجل يشى بمقداره، ومنطق لسانه ينبئ بسريرته، تصلح مدخلا للكشف عن مقدار المتهم حبيب العادلى، أو بالأحرى لفضح سوءات نفسه، عبر ما تفوّه به من ضلالات، انفردت «اليوم السابع» بنقلها إلى القارئ، عن تسجيل صوتى حصلت عليه.

بدايةً.. قال العادلى: «الذين خرجوا فى الثلاثين من يونيو «أولاد ناس»، أما الذين خرجوا فى يناير، فهم سكان العشوائيات».

وزير داخلية «الساقطين»، يقسّم البشر الذين خلقهم الله عز وجل سواسية، إلى «أولاد ناس»، وأولاد «....» وبوسعك أن تجعل مكان النقاط، ما يروق لك من مفردات.

نحن إزاء رجل لا يعتبر شقاء سكان العشوائيات وفقرهم، وربما وحشيتهم المكتسبة من بيئة قاسية، تحول دون أن ينشأ الإنسان فيها إنسانًا، وصمة عار على وجه النظام الذى انتمى إليه، ومنطقى فى ضوء هذه النظرة الاستعلائية، ألا يكون ثمة بأس من التخلص من هؤلاء، كما الناموس والذباب، وما إلى ذلك من المخلوقات الضارة.

رجل لا يملك الحد الأدنى من الوعى الاجتماعى والثقافى، فكيف يفهم أن الذين «ليسوا أولاد ناس» هم ثمرة مرّة لدولة القمع والتعذيب التى كان من كبار سدنتها؟.. دولة أو بتعبير أصدق «وسيّة» الواحد ونصف بالمائة، من «أولاد الناس» أصحاب المليارات والملايين، رجال الأعمال ونواب الكيف والقروض والتهرب من التجنيد والفساد والإفساد السياسى.

ولا تنتهى «فاشية» العادلى عند حد هذا التقسيم الطبقى، فقد أسفر عن وجه إرهابى تحقيقًا، حين أدلى بدلوه حول كيفية مواجهة الجماعات التكفيرية فى سيناء، قائلًا: «سيناء محتاجة إبادة تامة بالكامل.. دى خرابة ووكر إرهاب، عاملة زى أفغانستان».

تأمَّل الجملة «إبادة تامة»، ليس هذا فحسب وإنما «بالكامل».. ولا تنسى القاعدة البلاغية بأن الترادف فى اللغة، هو وسيلة للتوكيد، ولا تنسى أيضا منهج التحليل النفسى الذى يذهب إلى أن تكرار المترادفات، يكشف عن رسوخ معانيها ضمن المكونات الأساسية للشخصية.

إنه العادلى.. فلا عجب، وهكذا أقوال على ما فيها قسوة وحماقة، ورغم ما تحتوى عليه من مجافاة لحقيقة أن القمع لم يخمد نيران غضب أحرقته ثم خلعت رئيسه.. هكذا أقوال تتسق مع القائل، تكشفه دمويا فظا غليظ القلب، لا يلجأ إلى انتقاء العبارة، ولا «تزويق الكلمات»، فالبطش ضرورة ومنهج وغاية ووسيلة، للحفاظ على الأمن.. أمن النظام!

كل السفاحين، يفكرون على هذا النحو، وجميعهم لم يعترفوا بخطاياهم، حتى وهم فى أرماقهم الأخيرة.

«موسولينى» قبل أن يعدم مع عشيقته «كلارا بيتاتشى» معلقين من أرجلهما، على طريقة إعدام الخونة بالإمبراطورية الرومانية، رفض الاعتذار عن مقولاته بأن على «شباب الفاشسيت أن يحطموا عظام المعارضين»، ولم يبدِ ندمًا على جرائم القتل الجماعى، التى ارتكبها الحزب الفاشى، ضد الشعب الإيطالى.. شاوشيسكو سفاح رومانيا، تساءل فيما كانت البنادق مصوبة إلى قلبه، عما يدفع الجنود إلى قتله، وهو الأب الروحى للبلاد.. القذافى حث الليبيين إلى الزحف «زنقة زنقة ودار دار» فى خطاب «الشمسية والتوكتوك» الشهير، وطالب «الجماهير» بالتقدم إلى الأمام، ومن ثم ولى هاربًا قبل أن يسقط قتيلا!

الدروس متاحة للجميع، لكن وزير الداخلية الأسبق، يبدو بليدًا فى التاريخ، ولعله لم يقرأ منه سطرًا، والأرجح أن أمثاله، لا تستهويهم القراءة، ربما يحبون رياضة المبارزة أو المصارعة أو «ضرب النار»، وإذا قرؤوا بمحض صدفة، فإنما هى مذكرات أدولف هتلر، أو التفاسير المتطرفة لفلسفة «السوبر مان» عند نيتشه، وتحديدًا ما يتصل بأن التخلص من الضعفاء ضرورة حتمية، لبقاء الأقوياء.

العادلى هو العادلى.. لم يتغير ولم يتأنسن «أى يصبح إنسانًا»، ولم تدفعه ليالى السجن الطويلة، إلى أن يتملى فيما اقترف من ذنوب، أو يتمعن فيما ارتكب من آثام، فخلايا الشعور تليّفت، والضمير مات إكلينيكيا، لكن هذا الضمير -ومن عجبٍ- صحا من مرقده حين اتصل الأمر بجرائم الإخوان، فأصبح «مصاص الدماء» حملا وديعا يعف عن اللحوم، «نباتيًا» رحيمًا، مرهفًا شعوره، رقيقًا قلبه، نقية سريرته، ممزقا وجدانه، مكسورًا خاطره، يتساءل بصوت مفعم بالأسى: «ما ذنب البرىء الذى ألقى به من فوق عمارة سيدى جابر الإسكندرية؟».

هذا التساؤل من رجل كالعادلى، هو الشىء الوحيد المفاجئ فى كلامه.. وهو الأمر الوحيد الذى لا «يشبهه»، ولا يتسق مع السياق الكلى لعبارات ازدحمت بالدعوة إلى «الإبادة الكاملة»، وقطع المياه -إن أمكن- عن غزة، فضلا عن الإشارات العنصرية الطبقية عن الذين ليسوا «أولاد ناس».

تساؤل لا يعدو إلا أن يكون دموع تمساح.. وهو تساؤل يحيلنا إلى المرشد العام للإخوان محمد بديع، أو بالأحرى المتهم بديع، الذى فوجئنا به فى غضون مذبحة الاتحادية، وفيما الدماء تراق على أسوار قصر المعزول، مستنكرا أن يلقى المتظاهرون الغاضبون عبوات «مولوتوف» على حديقة القصر، بأن أطلق سؤاله المدهش المباغت كصاعقة: وما ذنب النباتات؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة