80 ألف مسجد خارج نطاق «الأوقاف».. قرار الوزير بمنع جمع التبرعات لم يتم تفعيله.. ومساجد النذور خارج الحسبان

الخميس، 26 سبتمبر 2013 01:18 م
80 ألف مسجد خارج نطاق «الأوقاف».. قرار الوزير بمنع جمع التبرعات لم يتم تفعيله.. ومساجد النذور خارج الحسبان وزير الأوقاف محمد جمعة
كتبت - رانيا فزاع - سماح عبدالحميد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صوت خافت يخرج من ميكروفون يعلو صندوق صغير غير محدد الملامح أو الجهة التابع لها، يردد ثلاث كلمات «تبرعوا لبناء مسجد»، هذا مشهد يقابلك أمام محطة مترو كلية الزراعة بشبرا الخيمة، والذى استمر تواجد الصندوق به ما يقرب عام كامل، ولا يعلم أحد من المتبرعين ما حدث بهذه الأموال وأين يقع هذا المسجد وهل فعلا تم بناؤه أم لا؟، ولا أين تذهب الأموال التى يتبرع بها المواطنون ولا المسؤول عنها أو الرقابة التى تتم عليها، هذا الصندوق ما هو إلا نموذج لآلاف غيره، من الصناديق الموجودة أمام المساجد.

تخضع عملية جمع الأموال بالمساجد لإشراف ثلاث جهات الأولى هى وزارة الأوقاف ودورها هو مراقبة الأموال التى تدخل إلى المساجد التى تتبعها فقط، وتقتصر على أموال «صناديق الزكاة» التابعة لبنك ناصر الاجتماعى، والجهة الثانية هى وزارة التضامن الاجتماعى، وهى تقوم بمراقبة التبرعات التى تجمعها الجمعيات الشرعية والخيرية التابعة لعدد من المساجد، أما الجهة الثالثة فهى المحافظات التى توجد بها هذه المساجد، وتحصل على %10 من ناتج تبرعات المساجد التى يوجد بها أضرحة.

وجود ثلاث جهات مرتبطة بجمع الأموال فى المساجد أدى إلى ضياع الدور الرقابى نتيجة لعدم التنسيق بين هذه الجهات، الأمر الذى يؤدى لحدوث تجاوزات تتعلق بهذه التبرعات، وتتمثل بعض تلك التجاوزات فى قيام جماعات بعينها باستخدام أموال المساجد فى تمويل مشروعاتها السياسية، ولذا قامت وزارة الأوقاف بإصدار قرار مؤخرا بمنع جمع الأموال من المساجد، مبررة هذا بأن عددا من الجماعات تستغل الأموال فى أغراض سياسية أو لتمويل جماعات جهادية، ولكن هذا القرار فعليا يقتصر تطبيقه على المساجد التابعة لها فقط، ولا ينطبق على المساجد التابعة للجمعية الشرعية التى تتبع وزارة التضامن الاجتماعى، كما أن هذا القرار يقتصر على التبرعات الخاصة بتبرعات المواطنين للمساجد بعيدا عن أموال صناديق النذور، التى تمثل مصدرا كبيرا أيضا من الأموال من الصعب تتبعه ومراقبته.

فالأموال التى تذهب للمساجد تمثل شبكة معقدة من الصعب تتبعها، ولا يوجد قانون موحد ينظم الجهات الخاصة بالمراقبة عليها مما يسهل تعرضها للسرقة والاستغلال.
«اليوم السابع» تتبع عملية جمع الأموال بالمساجد لرصد ما يحدث بها وكيفية إنفاقها، وظهر التعقيد فى التعامل معها أثناء الرصد، نظرا لأنها تجمع بطريقتين الأولى خاصة بوزارة الأوقاف وتقتصر على الأموال التى تجمعها صناديق الزكاة بالمساجد.

أما الطريقة الثانية فتمثل المساجد الملحقة بجمعيات شرعية، وتشرف عليها وزارة التضامن، وفى الجزأين يصعب الرقابة الكاملة على الأموال سواء التى تجمع عن طريق الجمعيات الملحقة بالمساجد أو تلك التى تجمع من خلال صناديق الزكاة بها، فتقوم وزارة الشؤون الاجتماعية برقابة سنوية على الجميعات، وما تراه من إيصالات فقط، ولا توجد رقابة على التبرعات الأخرى، أما صناديق الزكاة فتذهب التبرعات الخاصة بها لمساعدة الفقراء والتى يضعها المتبرعون فى الصندوق مباشرة، وأحيانا يعطونها للمسجد ويحصلون بموجبها على إيصالات تابعة لبنك ناصر الاجتماعى.
غالبا ما يحدث التجاوز والحصول على الأموال واستخدامها فى غير أغراضها فى الصناديق التى توضع بها الأموال دون إيصالات، والتى أصدرت بسببها وزارة الأوقاف قرارا بمنع الأموال لاستغلالها فى أغراض بعينها.

البداية كانت بوزارة الأوقاف التى ذهبنا إليها بمجرد إصدار القرار للتعرف على الشكاوى التى وردت إليها من المساجد وما رصدته تحديدا، كان لدينا موعد مع أحد المسؤولين بإدارة المساجد الذى رفض الحديث دون الرجوع لمكتب الوزير الذى أصدر منشورا يمنع جميع فيه الحديث مع الصحافة إلا بعلمه.

وبمحاولة الحديث مع المكتب الإعلامى أو مكتب الوزير لم نستطع مقابلته وتم تحويلنا لأحد الموظفين بإدارة الإعلام، والذى قال إن المعلومات التى نحتاجها لا تستطع الوزارة إعطاءها لنا لسريتها.

وأكد أن الوزارة تلقت شكاوى فى عدد من المناطق بقيام المسؤولين عن المساجد بها بجمع الأموال واستخدامها فى أغراض أخرى غير المخصصة لها كمساعدة الفقراء، ولكنه رفض الإعلان عن هذه المساجد أو الجمعيات الخاصة بها وأماكنها، وأكد أن هذا القرار قديم وتم اتخاذه قبل ذلك، ويتم تجديده حاليا فقط لورود شكاوى جديدة للوزارة، كما أن قرارات جمع الأموال معروفة لدى الوزارة.

اتجهنا بعد ذلك إلى المساجد لرصد ما يحدث بها من جمع أموال، وهل بدأت فعلا فى تطبيق القرار أم لا، مسجد عمر بن الخطاب بشبرا كان وجهتنا الأولى وهو واحد من أكبر المساجد المعروفة بتوجهها السلفى.

أمام مسجد عمر بن الخطاب يوجد صندوق حديدى صغير مخصص لتلقى التبرعات، ويتكون المسجد من مستشفى ومكتبة ومعهد لتحفيظ القرآن وإعداد الدعاة، حاولنا مقابلة مسؤول الجمعية الشرعية بالمسجد الذى رفض الحديث فقابلنا إمام المسجد فتحى عبدالرؤوف، الذى قال لـ«اليوم السابع»: إن التبرعات فى المسجد تنقسم إلى قسمين الأول خاص بصندوق الزكاة الذى يتبع وزارة الأوقاف والذى يخصص دخله لعدد من المشروعات بالمسجد، ومساعدة الفقراء، ويحصل المتبرع على إيصال، والثانى يتبع الجمعية الشرعية بالمسجد التى تخضع لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، وتجمع التبرعات الخاصة بها من خلال إيصالات تتبع الوزارة.

وعما يتردد عن استخدام بعض إدارات الجمعيات الشرعية بالمساجد الأموال لأغراض سياسية أو لخدمة الجماعات الجهادية والسلفية، قال عبدالرؤوف، إن بعض هذه الحوادث يحدث من وقت لآخر فتقوم الجمعيات باستخدام الأموال فى أغراض عملها السياسى، وهو ما يبرر فى رأيه قيام الوزارة باتخاذ القرار الخاص بمنع جمع الأموال.

وأكد أن المسجد يجمع مبلغا يتراوح ما بين 6 و10 آلاف جنيه شهريا تأخذها الجمعية وتوظفها فى مساعدة الفقراء والعلاج بالمستشفى، أما المكتبة الخاصة بالجمعية فهى بالتطوع، ويتم بيع الكتب ويتم جمع ربحها لصالح الجمعية ومشروعات الزواج.

على الرغم من نفى إمام المسجد تبعيته لأى اتجاه سياسى، فإن المكتب الذى كان يجلس بقبالته ضم كتابا بعنوان «الانقلاب العسكرى بين الشريعة والشرعية»، وهو أحد الكتب التى كانت موجودة فى اعتصام رابعة وحصل «اليوم السابع» من قبل على نسخة منه عند فض الاعتصام.

وعن استمرار المسجد فى جمع الأموال الخاصة بصندوق الزكاة على الرغم من اتخاذ قرار من قبل الوزارة بالمنع أكد أنه لم ترد إليه حتى الآن أى منشورات خاصة بوقف جمع الأموال، وهو عكس ما أكده مدير إدارة المساجد بوزارة الأوقاف لـ«اليوم السابع» بأن القرار تم إرسال منشور به لكل المساجد والتى ستبدأ بتطبيقها مع الوقت.

من مسجد عمر بن الخطاب إلى مسجد النور المحمدى التابع لجمعية النور المحمدى الشرعية، والمعروف بتقديمه للخدمات لأهالى المنطقة والذى يمثل نموذجا للجمعيات الشرعية غير التابعة لرقابة الأوقاف، ولا يطبق عليها القرار، والذى يتكون من مسجد ومستشفى ودار أيتام ودار مسنات، يقول رضا عبدالمعطى أمين الصندوق: «إن التبرعات التى تأتى للجمعية تتقسم بين كفالة الطفل اليتيم أو دار المسنات، أما أموال التبرعات الخاصة بالمسجد فتقتصر على صندوق الزكاة لمساعدة المحتاجين، مشيرا إلى أن المسجد يتبع لوزارة الأوقاف فيما تختاره من أئمة يقولون خطبا به فقط، أما تطوير المسجد من الداخل أو إصلاح أى جزء به فيعتمد على الجمعية التى تقوم بكل شىء به».

وتبلغ قيمة التبرعات التى تجمعها الجمعية الملحقة بالمسجد حوالى 10 آلاف جنيه شهريا تزيد بشكل كبير فى رمضان.

وعما يتردد عن استغلال الجمعية للتبرعات فى أغراض سياسية أو تمويل جماعات جهادية بعيدا عن مساعدة الفقراء، فأكد أن هذا لا يحدث، مشيرا إلى أن أفرادا من جماعة الإخوان فى المنطقة، حاولوا الدخول فى مجلس إدارة الجمعية من قبل بأعداد كبيرة، وهو الأمر الذى تم رفضه خوفا من تدخلهم أو استغلالهم الجمعية فى إجراءت تخصهم. مسجد النور المحمدى يمثل نموذجا من مئات المساجد غير التابعة لوزارة الأوقاف والتى لا ينطبق عليها قرار جمع الأموال، وتعتمد فيه فقط على الجمعية الشرعية التى تتبع فى رقابتها لوزارة التضامن الاجتماعى وتشرف عليها من خلال لجان سنوية.

وكما يوضح أحد المصادر بالإدارة المركزية لشؤون الجمعيات بوزارة التضامن الاجتماعى - طلب عدم ذكر اسمه - أن الوزارة تشرف على هذه الجمعيات بكشف سنوى دورى فقط، من خلال لجنة لمتابعة ما جمعته طوال العام من أموال وما أنفقته، ويكون الكشف على الإيصالات فقط التى تقدمها لهم الجمعية، وبالتالى فأى أموال تدخل للجمعية بدون إيصال أو أى تجاوزات فى هذه الايصالات لن يتم إثباتها فى رأيه، خاصة أن الرقابة الكاملة على هذه الجمعيات تكون صعبة، فعدد الجمعيات الخيرية يصل إلى 40 ألف جمعية من الصعب مراقبتها كلها، بهذا العدد القليل من الموظفين فى رأيه.

اختلف الوضع قليلا بمسجد العزيز بالله المعروف بتوجهه السلفى، ويعد واحدا من أكبر المساجد التابعة للسلف فى المنطقة، مما يطرح تساؤلا حول الأموال التى يجمعها تحت مظلة الجمعية الشرعية الخاصة به.

يصعب مقابلة أى مسؤول بالمسجد خاصة فى ظل السيطرة الأمنية التى يفرضها على الزائرين والتى تفرض تفتيشا كاملا عليك بمجرد معرفة هويتك الصحفية، وبعد محاولات قابلنا المدير التنفيذى للجمعية وهو لواء شرطة سابق يدعى أحمد الخضرى، وأكد أن الأسلوب المتبع فى التأمين يرجع إلى ما يتعرض له من شائعات خاصة بعملهم مع جماعات سياسية معينة، ولذا حاولوا تأمين المكان جيدا خوفا من إلصاق تهم غير صحيحة لهم، وتدريب الموظفات على التأمين.

وعن استغلال المسجد الأموال التى يجمعها فى أغراض سياسية باعتباره أحد أبرز المساجد التابعة للجماعة السلفية قال «إن المسجد يقوم بمشروعات لرعاية الأسر الفقيرة، بعيدا عن العمل السياسى، كما أن الجمعية خيرية ومشهرة ويتم جمع الأموال بموافقة الشؤون ومراقبتها وليس للمسجد أى دور بها».

وأضاف: اتجاهنا للعمل داخل المسجد دعوى ودينى فقط، والجمعية مشهرة طبقا للشؤون الاجتماعية وتراقب ماليا باسمها، وتخضع لتفتيش سنوى كما أن المسجد به صندوق الزكاة بعيدا تماما عن الجمعية ولا يحصل على أى تبرعات بخلافه.

ويقول محمد عيد الكيلانى، مدير إدارة المساجد بوزارة الأوقاف، إن قرار الوزارة بمنع جمع الأموال يهدف لتنظيم جمعها، وسريانها فى مسار قانونى وشرعى، مؤكدا أن أموال التبرعات داخل المساجد تستغلها بعض الجماعات فى أغراض سياسية.

وأضاف أن الإجراء قانونى بحت وهو تابع للقانون رقم 157 الخاص بالإشراف الإدارى والمالى من وزارة الأوقاف على المساجد وهى الجهة الوحيدة المنوط بها ذلك.

أمام مسجد الجمعية الشرعية فى منطقة إمبابة، وضع حوالى أربع صناديق لجمع التبرعات للأطفال اليتامى، وبالحديث مع الشيخ أبوالعزم محمد إمام المسجد وأمين الصندوق، قال إن التبرعات تتم يوميا وأى متبرع يتم تسجيل تبرعه بإيصال تأخذ الجمعية الشرعية صورة منه.

وأوضح أبوالعزم أن التبرعات عادة ما تكون شبه ثابتة، لافتا إلى أن فرع الجمعية يحصل على 10 أو 12 ألف جنيه شهريا أوجه إنفاقها تتمثل فى الأطفال الأيتام المسجلين بالجمعية، وبعض المساعدات للفقراء، مشيرا إلى أن كل طفل يحصل على 30 جنيها إلى جانب حصول الجمعية شهريا على ما تحتاجه لتغطية نفقات الأيتام، حوالى 30 ألف جنيه يتم تعويضها من خلال المبالغ التى يتم تجميعها فى شهر رمضان الذى تتضاعف حجم التبرعات فيه لتصل إلى 179 ألف جنيه.

وأضاف أبوالعزم، أن الجمعية الشرعية لا يطبق عليها قرار وزير الأوقاف بمنع جمع الأموال من المساجد، موضحا أنهم يتبعون لرقابة وزارة الشؤون الاجتماعية، وأن الوزارة تراجع تبرعات الجمعية بشكل سنوى وكل الأموال مسجلة.

الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، طالب وزير الأوقاف باتخاذ قرار بمنع جمع الأموال من جميع المساجد حتى التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى.
وأكد موظف مسجد السيدة زينب، أن وجود الكاميرات قلل مما كان يحدث سابقا من

سهولة استيلاء الموظفين على أموال من الصندوق دون رقابة، مشيرا إلى أن المبالغ التى كان يحصل عليها الموظفون وقتها كانت قليلة لا تتجاوز عشرات الجنيهات، ولكن الكاميرات منعتها على الإطلاق.

قال عبد الغنى هندى، عضو نقابة الأئمة المستقلة وحركة استقلال الأزهر، إن جزءاً من الأموال التى تجمع بالمساجد ينظمها القانون رقم 110 الخاص بعمارة المساجد والأضرحة 110، بالمساجد وتذهب 10% منها للوزارة.

وأضاف هندى، أن هذا لا يحدث فى الواقع، فالأموال التى تذهب للمحافظة تنفق أغلبها على المحافظة ولا تحصل الوزارة على شىء، كما أن آلية وصول الأموال للمحافظة مغلوطة، ولا توجد رقابة تحكم وصولها للمحافظة، وبالتالى تضيع على الدولة.

ومن ضمن موارد المسجد أيضاً صندوق الزكاة، والذى تؤول الأموال التى يتم جمعها منه لبنك ناصر.

وعن قرار وقف جمع التبرعات من المساجد، قال إن القرار يقتصر على صناديق التبرعات أمام المساجد، والذى تستغله بعض الجهات لتمويل جماعات سياسية غير محدد أهدافها، وهى تتبع الجمعيات الشرعية وجمعية أنصار السنة المحمدية وغيرها من الجمعيات التى لديها مساجد يبلغ إجمالى عددها 80 ألف مسجد تعمل خارج نطاق وزارة الأوقاف ولا تخضع لإشرافها.

وأكد أن الاستغلال السياسى الذى قامت به ظهر فى وقت الانتخابات بتخفيض أسعار الكشوف الطبية فى المستشفيات داخل الجمعيات الشرعية مقابل الحصول على الرقم القومى للمرضى وحثهم على انتخاب مرشح إسلامى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة