محمد فاروق أبو فرحة يكتب: هذا ليس وقت تقسيم الميراث

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013 05:08 م
محمد فاروق أبو فرحة يكتب: هذا ليس وقت تقسيم الميراث صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كَبر الأب فى السن وشعر أن نهايته قَرُبت، فأرسل إلى أبنائه الأربعة يستدعيهم للقائه ولرؤيتهم، ولكن أولاده كل منهم فى بلد شكل داخل الوطن الواحد، وحضورهم قد يأخذ وقتًا وهنا وصلت رسالته إليهم وبالفعل أخذ كل منهم يرتب أحواله ويأخذ متاعًا وطعامًا يسد به جوعه في الطريق، فالطريق طويل وشاق، ووصل الأولاد إلى طريق النهر وكان الجو عاصفًا ممطرًا وتقابلوا جميعًا معًا وذهبوا فى مركب يشق بهم عرض النهر، وهم فى الطريق تناقشوا فى الميراث وظل كل منهم يقول أنا سوف آخذ الدار، وقال آخر الدار ليست ملك وأنا أخوك الكبير وأحق بها منك، وقال آخر وأنا سوف آخذ نصف الأرض واترك لكم النصف الباقى وهنا قال آخر: أنت تحلم الأرض كلها لى وسوف أترك لكم المال لتتقاسموه فأنا أدرى بالزراعة عنكم وهنا تدخل آخر ورفض هذا الكلام وزاد الشجار بينهم حتى وصل إلى التشابك بالأيدى، وهنا تمايل المركب يمينًا ويسارًا وشعر أحدهم بالخوف فقال: هنغرق هنغرق، ولم يلتفت إليه إخوته الذين شغلهم الشجار والميراث ولم يلتفتوا إلى ما يحدث حولهم.

شعر الأب المريض بتأخر أبنائه فطلب من أخيه الذى يصغره بعض الشيء أن يذهب إلى شط النهر، لكى يرى هل أتوا ويطمئنه وبالفعل ذهب إلى شط النهر ورأى من بعيد مركب تتمايل يمينًا ويسارًا فى وسط النهر، ولكنه لم يكن يرى جيدًا من بداخل المركب، فظل ينادى على من فى المركب ويقول: ماذا يحدث؟ ماذا يحدث؟ ولا أحد يجيب، ولا أحد يعلم سبب تمايل المركب بهذه الشدة وهنا تجمع كثير من أهل البلد على شط النهر يشاهدون تمايل المركب من بعيد، وقال أحدهم هؤلاء أبناء أخيك وهنا وصل الخبر إلى الجميع حتى وصل إلى الأب المريض فتحامل على نفسه، وتسند الحوائط والجدران مسرعًا فى خطوات بطيئة تسيرها صحة عليلة وخوف ظليل يحيط بصاحبها، ليطمئن على أبنائه مرددًا وهو يمشى : لطفك يا رب، سترك يا رب، رحمتك يا رب، أولادى أولادى.

وفى المركب زاد الشجار بين الإخوة فأخذ أحدهم فأسًا من المركب وحاول أن يضرب أخاه بها، ولكنها سقطت فى المركب ( فخرمته) وهنا تدفق الماء منها وحاول أحدهم أن يسد الخرم، ولكن ظل الاثنان فى شجارهما، وحاول ثالث أن يتوسطهم ليحول دون شجارهم ومازال رابعهم يحاول إنقاذ المركب، ولكن المركب امتلأت ببعض الماء حتى تبللت أقدامهم والتيار فى النهر شديد جدًا و يجرف المركب معه والريح عاصفة لا تساعدهم، فصرخ أخاهم الذى يحاول إنقاذ المركب قائلا كفى شجارًا : هذا ليس وقت تقسيم الميراث، أبيكم مازال حيًا ينظر إليكم.

وهنا توقفوا جميعًا عن العراك ونظروا إلى الشط ليروا أبيهم المريض يقف ينظر إليهم والناس تحيط به ليستند عليهم وهنا تركوا الشجار و استيقظوا على كارثة تحيق بهم بالفعل، فحاولوا إنقاذ المركب، ولكن المركب كانت قد اقتربت من الامتلاء، فطلبوا المساعدة، لعل وعسى أن يساعدهم أحد من على الشط، قائلين: ساعدونا ساعدونا، النجدة، فقال أحدهم هذا عقاب الله لنا، اللهم اغفر لنا وارحمنا. وقال آخر يا رب لا أريد مالا أريد أرضًا أضع قدمى عليها، وقال آخر ندر على إن ظللت حيًا أن أبقى فى خدمة أبى ما حييت، وزاد دعاؤهم و بكاؤهم وعلامات الخوف على وجوههم.

وهنا اقترب منهم مركبًا، فهللوا وفرحوا وحمدوا الله، فقال لهم قائد المركب : أرسلنى أباكم إليكم لأنقذكم، فذهبوا معه، ووصلوا إلى أبيهم فأخذوه بالأحضان وحمدوا الله على نجاتهم وهنا قال قائد المركب للأب كما وعدتنى، فقال الأب وأنا عند وعدى وهنا سأل الابن الأكبر بماذا وعدته يا أبي؟ فقال الأب: وعدت بنصف ثروتى لمن ينقذكم، ولو كان طاب مالى كله وعمرى أيضًا لأعطيته إياه وأنا راض، وهنا ظهر على وجههم الذهول وكأن كارثة قد حلت بهم ونسوا أن الله قد أنقذ حياتهم من الموت، فقال الأب إن قائد المركب هذا هو الوحيد الذى وافق على أن ينقذكم ويغامر بحياته فى مثل هذا الجو وشدة التيار، بينما رفض الآخرون.

وهنا تذكروا أنهم على أرض ثابتة وأن هذا كان قمة أمانيهم وأن كل هذا المال كانوا سيتركونه، وأن الله أعطاهم فرصة أخرى فى الحياة لعلهم يصلحوا من أنفسهم، وهنا قالوا جميعًا فى نفس الوقت: الحمد لله، نشكرك ونحمد فضلك يا الله.
كبر سن الآباء ليس معناه قُرب الميراث، ولكنه يعنى طاعة للآباء تقربنا إلى الجنة.

أرض ثابتة تحت قدمينا كنز كبير افتقدناه فى هذا الزمان
حقًا، هذا ليس وقت تقسيم الميراث.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة