ذكريات الهجومين اللذين استهدفا مواقع إسرائيلية، فى أفريقيا قبل عقد من الزمان، أفزعت تل أبيب لدرجة دفعت القيادة الإسرائيلية لإرسال فريق خبراء لحليفتها كينيا كى تقدم النصح للسلطات هناك، بعد تلك المواجهة الدامية التى شهدها مركز تسوق فى قلب العاصمة الكينية نيروبى.
وفيما يرفض المسئولون مناقشة طبيعة المساعدة المفترض تقديمها، فإنهم أوضحوا أنهم يعتقدون أن هزيمة القاعدة فى أزمة هجوم مركز التسوق ستكون لها تداعيات أكبر حول العالم.
يوفال شتاينيتس وزير الشئون الاستراتيجية والاستخبارات فى الحكومة الإسرائيلية قال للأسوشيتد برس إن "إسرائيل مستعدة دائما لتقديم يد العون للدول الأخرى.. دول أخرى صديقة، فى مكافحة الإرهاب.. أعتقد أن الإرهاب بات خطرا يتهدد العالم أجمع، ومن ثم ينبغى على دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول غربية أخرى أن تتعاون".
فلطالما كان لإسرائيل مصالح تجارية قوية فى كافة أنحاء أفريقيا منذ عقود، لكنها فى السنوات الأخيرة بدت فى افريقيا- خاصة دول شرق أفريقيا- داعما استراتيجيا مهما فى الحرب ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، إحدى تلك الجماعات هى حركة الشباب التى أعلنت مسئوليتها عن هجوم نيروبى الذى خلف عشرات القتلى.
ودائما ما كانت كينيا لاعبا مهما فى جهود إسرائيل، وإن لم تكن وحدها دون شك، البلدان تتبادلان المعلومات الاستخباراتية، وإسرائيل توفر التدريب الأمنى للدولة الواقعة شرقى أفريقيا، بحسب خبراء ومسئولين. وأكثر من أربعين مسئولا إفريقيا فى المجمل قاموا بزيارات لإسرائيل خلال العامين الماضيين، حسبما أعلنت الخارجية الإسرائيلية، حيث كان من بين أولئك المسئولين رؤساء رواندا وأوغندا وتوغو وجنوب السودان وكذا رئيس وزراء كينيا.
وقال دبلوماسى إسرائيلى شارك فى تلك الاجتماعات، إن التغيرات التى شهدتها المنطقة، بسبب موجات الربيع العربى كانت هى العامل المحفز وراء تلك الزيارات. والتغيرات أدت إلى زيادة نشاط المتطرفين الإسلاميين، وسمحت بتدفق تلك كميات الأسلحة الضخمة تلك عبر المنطقة بعد سقوط ديكتاتور ليبيا الراحل معمر القذافى.
الدبلوماسى الذى تحدث شريطة التكتم على هويته بسبب سرية المسألة، قال إن تهديد الجماعات الأصولية كان أحد الموضوعات الرئيسية التى تناولتها المباحثات. وأضاف أن القادة الأفارقة كانوا مهتمين على وجه التحديد بخبرات إسرائيل فى محاربة المسلحين الإسلاميين.
ورغم أنه لا يعتقد أن الجماعات المنتشرة فى أفريقيا على صلة مباشرة بتلك الجماعات التى تقاتل إسرائيل، فإن الأيديولوجيات متشابهة والرعاة الدوليون متشابهون أيضا.
تقول إسرائيل إن خصمها اللدود غير أن يرسل أسلحة للمسلحين فى قطاع غزة عبر أفريقيا، القرن الأفريقى يعد أحد مسارات السفن الإسرائيلى هو الآخر.
وقال المسئول "ما قد يريدونه هو تبادل المعلومات والخبرات أكثر من أى شىء آخر"، مضيفا أنه "لا يخفى على أحد" أن إسرائيل تصدر بعض الأسلحة لأفريقيا.
المسئولون الإسرائيليون يرفضون تحديد طبيعة المساعدة العسكرية التى ترسلها لحلفائها الأفارقة او ما هى الجهة التى يجرى تسليحها، مكتفين فقط بالقول إن أى مبيعات يجب أن توافق عليها وزارة الدفاع، فيما أحجمت الوزارة عن التعقيب.
وأكد دانى أرديتى رئيس مجلس إدارة مكتب مكافحة الإرهاب ومجلس الأمن القومى السابق، أن الهجومين اللذين وقعا قرب مدينة مومباسا الكينية الساحلية ضد أهداف إسرائيلية عام 2002 كانا بمثابة نقطة تحول فارقة.
خلال هذين الهجومين، قصف مسلحون أحد الفنادق الفاخرة المملوكة لإسرائيليين ما أسفر عن مقتل ثلاثة عشر شخصا، وأطلقوا صاروخين باتجاه طائرة إسرائيلية وهى تقلع، بالكاد نجت من الهجوم.
وأضاف "منذ ذلك الحين.. التعاون والتعاون الاستخباراتى بالأساس.. لهما أولوية كبرى فى كينيا" واوضح أن التعاون أيضا يتضمن "التدريب والمشاركة فى المناورات" غير أنه رفض الإفصاح عن المزيد.
المصالح الإسرائيلية فى كينيا لها جذور عميقة. فوفقا للموقع الإلكترونى لسفارة إسرائيل فى نيروبى، قدمت إسرائيل المساعدة التقنية فى مجالات مثل الزراعة والطب على مدى عقود، وتعود تلك العلاقات إلى ما قبل استقلال كينيا فى عام 1963.
واستمر هذا التعاون حتى بعد أن خفضت كينيا والدول الأفريقية الأخرى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد حرب عام 1973. وخلال عملية فدائية فى عام 1976 والتى أنقذت فيها إسرائيل عشرات الرهائن من مطار عنتيبى فى أوغندا، سمح للطائرات الإسرائيلية بالتزود بالوقود فى كينيا. واستؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى عام 1988.
وفى عام 2011، وقعت إسرائيل وكينيا معاهدة للتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وغسل الأموال وجرائم أخرى.
اليوم أصبح للإسرائيليين بصمات واضحة فى نيروبى. فهم يديرون شركات فى عدد من المجالات وفتحوا العديد من المقاهى والمطاعم- من بينها أربعة على الأقل فى مركز "ويست غيت" التجارى، ولا يعرف بوجود إسرائيليين بين القتلى.
وأكد مسئولو دفاع إسرائيليون أن وفدا من الخبراء أرسل إلى نيروبى فى غضون ساعات من اندلاع أزمة الرهائن.
ولم يذكر المسئولون، الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، ما هى أنواع الخدمات التى يجرى تقديمها، لكن الوفد لا يضم وحدات مقاتلة.
وقال نيتسان نوريل، وهو رئيس سابق آخر لمكتب مكافحة الإرهاب، إن كينيا من بين ثلاثة بلدان أفريقية، جنبا إلى جنب مع تنزانيا وإثيوبيا، تلقت قواتها تدريبا أمنيا?? من إسرائيل قبل نحو عامين. وفى ذلك الوقت، قام مسئولون من الشرطة والجيش ووحدة مكافحة الإرهاب بتدريب نظرائهم فى البلدان الثلاثة، بحسب نوريل.
وأضاف أن هذا التدريب هو جزء من جهد أوسع بدأ بشكل جدى عندما قام وزير الخارجية الإسرائيلى السابق أفيجدور ليبرمان برحلة إلى خمسة بلدان أفريقية فى عام 2009.
قال نوريل، الذى رافق ليبرمان، إن الرسالة كانت واضحة فى كل محطة من هذه الرحلة "فى كل شىء له علاقة بالحرب على الإرهاب، لدينا عدو مشترك. دعونا نتعاون" حسبما نقل عن مسئولين أفارقة.
وبالإضافة إلى كينيا، قال إن أوغندا وإثيوبيا وتنزانيا تتعاون بشكل قوى مع إسرائيل فى المجال الاستخباراتى، إذ إنها توفر معلومات عن عدد من الجماعات الإسلامية، ومن بينها حركة الشباب الصومالية وجماعة بوكو حرام النيجيرية.
علاوة على ذلك، توفر بلدان غرب أفريقيا معلومات استخباراتية عن عملاء لحزب الله متورطين فى تجارة المخدرات وغسل الأموال، بحسب نوريل.
وقال حجاى كاتز، من شركة "مغال" الأمنية الإسرائيلية، إن شركته انتهت هذا العام من مشروع بقيمة 25 مليون دولار لتأمين ميناء مومباسا الكينى. وفى عام 2012، كانت هذه الشركة مسئولة عن أمن الاستادات خلال كأس الأمم الأفريقية التى أقيمت فى الجابون وغينيا الاستوائية.
وقال نير شاؤول، مؤسس شركة الأمن الإسرائيلية "نيترال"، إن شركته قدمت تدريبات ومعدات- بما فى ذلك تكنولوجيا الرؤية الليلية وخوذات- لقوات شرطة مكافحة الإرهاب والحرس الرئاسى فى جميع أنحاء أفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
وقال شاؤول "الجندى غير المدرب خطير جدا. أما الجندى المدرب فيمكنه استهداف خلية إرهابية دون إحداث أضرار تجعل المواطنين يتحولون ضد السلطة الحاكمة".
إسرائيل ترسل فريق خبراء لتقديم الدعم والمشورة لكينيا بعد هجوم نيروبى
الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013 11:37 ص