معصوم مرزوق

إرهاب الفرد وإرهاب الدولة

الأحد، 22 سبتمبر 2013 02:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لاحظت أن أصواتاً عديدة قد تصاعدت مؤخراً تنادى بضرورة عدم تقييد السلطات حتى تتمكن من محاربة الإرهاب، وذهبت تلك الأصوات إلى إعذار الحكومة فى بعض التجاوزات، بل الهجوم الجارح على كل من حاول أن ينتقد هذه التجاوزات، وأكدت تلك الأصوات أنه لابد أن تحتفظ الدولة بسلطات تقديرية واسعة وإلا أصيبت بالشلل والتقصير فى أداء الوظائف المناطة بها والتى خولها لها المجتمع كله، وقد قدمت بعض هذه الأصوات تاصيلاً قانونياً لهذه السلطة التقديرية على أساس نظرية أعمال السيادة.

لا شك أن الدولة تمتلك سلطات عديدة تتيح لها فرض هيبتها، فلها وحدها سلطة الأمر والنهى، وهى التى تمتلك مع ذلك سلطة القهر والإجبار لوضع تلك الأوامر والنواهى موضع التنفيذ، وعلى الطرف الآخر أن يلتزم الفرد «المواطن» بالخضوع لهذه السلطة.

وقد يبدو الأمر بهذا الشكل كأنه علاقة استعباد بين طرف يمتلك السلطة وأدوات القهر والتنفيذ، وطرف لا يملك سوى الإذعان بل هو مطالب بالإذعان، إلا أن ما سبق لا يمثل كل المعادلة، فمن المسلم به أن أى مجتمع بشرى لا يمكن تصور استقراره واستمراره وتطوره دون وجود سلطة، ولكى تؤدى هذه السلطة دورها بكفاءة وفاعلية فلابد أن تتمتع أفعالها بقرينة الصحة والقانونية، أى أنها تكتسب شرعية معينة فى إطار الدستور والقوانين السارية، إلا أن ذلك لا يعنى حصانة تلك الأفعال، حيث يمكن للمتضررين منها أن يثبت وقوع الضرر والمطالبة قضائياً بإزالته أو التعويض، وهكذا فإن أطراف المعادلة تنتظم فى ثلاثة عناصر رئيسية: «السلطة ـ القانون ـ المجتمع»، بحيث يصبح الأفراد فى حماية القانون إذا أساءت الدولة استخدام حقها أو تعسفت فيه.. ولقد أدركت جميع المجتمعات البشرية أهمية وجود هذه المعادلة بجميع عناصرها، فقد ذهبت مدن اليونان القديمة إلى ضرورة خضوع سلطان المدينة لقانون العقل، أما الرومان فقد حددوا الفارق بين السلطة التى جعلوها ملكا للشعب الرومانى، ووظائف الحكم التى تكون بمثابة تفويض من صاحب السلطة «الشعب» للحكام، وقد أكدت الشريعة الإسلامية هذا المعنى وطورته، حيث أوجبت على الرعية طاعة أولى الأمر شريطة التزام الأخيرين بأحكام الشرع دون ظلم أو استبداد، فإذا استبد ولى الأمر أو انحرف فلا سمع ولا طاعة، فالقانون دائماً يظل فوق إرادة الحكام وأعلى من أى سلطات تمتلكها الدولة، ويتفرع عن ذلك أن تفويض الشعب لحكامه ليس شيكاً على بياض، وإنما هو عقد حقيقى بكل مشتملات العقد من التزامات متبادلة وحقوق وواجبات وضمانات، وأياما كان شكل العقد فلا ينبغى أن يكون عقد إذعان يمتلك فيه طرف كل الحقوق والسلطات والضمانات التى تحصنه مع الطرف الآخر.

لا ينبغى أن يكون الخضوع للسلطة هو نتاج الخوف منها، بل الاقتناع بها، وذلك لن يتأتى إلا من خلال ترسيخ مبدأ سيادة القانون، فمن المعروف أن القانون الطبيعى يسبق نشأة المجتمعات، ويعلو على السلطة وقانونها الوضعى، كما أن السلطة التى تضع القانون وتفرض الخضوع له تخضع أيضاً لنفس القانون.

إن مشكلة السلطة التقديرية الواسعة للدولة تكمن فى نطاق هذه السلطة والخطوط العامة الحاكمة التى لا ينبغى لها أن تتجاوزها، خاصة فيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان والعدل والمساواة، فالفرد - عادة - لا يتنازل طواعية عن مصادر قوته، والدولة بما تتمتع به من امتيازات وصلاحيات قوية فى مواجهة الأفراد لا يجوز أن تبلغ إلى حد إعدام الحقوق الأساسية للفرد، بحيث تصبح السلطة التقديرية هى القاعدة والمحددات القانونية هى الاستثناء.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 6

عدد الردود 0

بواسطة:

خليجي

الاستعباد للمواطن يحصل حاليا

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

السلطة والقانون والمجتمع

عدد الردود 0

بواسطة:

Mohamed Eissa Elsaeed

إلى صاحب التعليق رقم (1)

عدد الردود 0

بواسطة:

http://ow.ly/p6tuA

http://ow.ly/p6tuA

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

لأجل عينيكِ عشقت الطوارئ

عدد الردود 0

بواسطة:

زهرالورد

الى المواطن الشريف الذى يخشى قانون الطوارئ والى الحاكم الذى يركن الى قانون الطوارئ ليبقيه

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة