حسام الدين فاروق عبد الهادى يكتب: رؤية نقدية لـ"يحدث صباحًا"

السبت، 21 سبتمبر 2013 04:38 م
حسام الدين فاروق عبد الهادى يكتب: رؤية نقدية لـ"يحدث صباحًا" غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على طوف من خشب الماهوجنى مستلقيا أنت، آمن برغم الكوابيس، مطمئن رغم أنك لا تدرى عن السباحة شيئا. النسمات البعيدة المشبعة بعطر الحلم تصنع نوعا من البهجة المفتعلة. تيقظك خيوط الضى التى أرسلتها الشمس للقمر فأبى أن يحملها، وحملتها أنت.
يبزغ جبل المغناطيس المصقول وسط بحرك القديم، عاكسا روحك المثقلة حزنا،المنهكة اغترابا. يزداد النبض ارتفاعاً، ويتدفق الدم كموجات متلاحقة، يتحرك قلبك مرتجاً داخل فراغ روحك، يندفع قاطعاً قفصك السحرى، مخترقا النسيج، بلا نشيج، قافزا نحو المغناطيس الضخم.
تتهدل الشرايين والأوردة متمردة على الجسد، وهى تقطر زهورا سوداء. رجات تنتابك بعد أن أصابك البرق، وتسد أذنك بشمع برائحة الفانيليا لعله يقيك الرعد، و بعدهما لا تسقط الأمطار.
تتخطى الجبل وتلمح قلبك معلق فى القمة، وتتبدى من خلفه جزيرة النحاس. تغادر جزيرتك إلى جزيرتهم. يستقبلك (حكيم الميناء) ـ الكاره للقب الساحر ـ بحبوب منع الحمل، ويراقبك نورسه الشرس ـ المستلقى على كتفه ـ بحذر مصدرا (غاق .. غاق.. غاق) مناديا البومة وتوأمها، فتأتى الأجمل ـ البنية ـ لتقف على رأس فتاة الألوان ذات الستة أصابع، فتتشرب من ألوانها و تتماهى معها، أما البيضاء فتتلاشى فى ضباب شاهق يغلف الجزيرة.
يزداد النعيق.. تظهر العجوز المتصابية وتهش الجميع، حتى تلمحك، فتغازلك بغنج مقرف وهى تغنى ( يا بو الشريط الاحمر يالى .. ظلمتنى ارحم ذلى) و تلمح على رقبتها علامة مرض( حلقات البصل)، فتتيقن أنها الناجية الوحيدة. حينما تلمح زهدك فيها،تعرض عليك (روبيلين) التى تهبط من السماء الوردية محملة بطبق من الخوص الكريستالى، مثقل بالثمار الحلال يتوجها فاكهة التنين.
تمد يدك لتقطف ثمارها المحرمة، فتجفل حينما تصفعك على وجهك فتسقط (الكيباه)، وتخطفها البومة التى كانت بنية، وتتقدم تتقدم هى منك، و تنزع عنك صليبك الصغير، و تحضنه ليكبر، فتدقه و شما فى قلبها، ووتدا فى روحها، وتملأ فمك بالثوم وهى تصرخ: "سأظل مريم حتى لو فقدت عذريتى"، وترفع أصبعها السادس المصبوغ بلون البكارة إلى الهلال، و تصرخ أنت صرخة الخلاص، ثم تعود إلى هيئتك الأولى.
يفاجئك أرنب (أليس) الهارب من بلاد العجائب،وهو يتحدث لغة الإشارة. يدخلك إلى كشك تصوير ذاتى ليصنع لك (كارنية) الولوج للأرض الخراب ، فتخرج منه ومعلق على صدرك ـ بحبل من الليف ـ صورة لك وأنت جنين، بإصبع مبتور، ويرن فى أذنك صوتك وأنت تنادى على أمك: "ماااااااا ماااااا ..تعالى شطفينى"، فيأتيك صورتها من خارج رحم الغيب:" أكلك الهين لا يتيح لك التبرز أصلا."
يقودك الأرنب كمرشد سياحى لتشاهد قبيلتى (زوار القبور ذوى القرنفلات) و ( السائرون فوق النفق)، حتى تصل معهم لقبر الكاهن الأعظم (الوحيد المتفق عليه من قبل القبيلتين). على شاهده الحجرى/الرخامى/البازلتى تقرأ تاريخ الفطرة، وزمن اليوتوبيا الضائع، وسكان الجزيرة الأصليين المتحركين بالـ slow motion ،الذين كانوا يجرعون شراب الخروب ـ وهم على قناعة بقدرته على أن يسكرهم ـ بأفواه بلا ألسنة، و فوق رؤوسهم عصافير (الأورجامى) تطلق صفير التزواج وتراتيل الصفاء:
أيها البحر الكبير
أيها البحر القديم
ليست لدى قرابين لك
لكنى أسالك الحقيقة و العدل
احملنا بسلام إلى أرض الخير
ولكن
لا تنسى أن تطرد الأرواح الشريرة عن بلادنا
يقودك الأرنب فى رشاقة لا تليق بحجمه الجبلى عبر 7 بحور و 7 وديان و 7 قباب و 7 أجراس و 7 أعمدة و 7 أحجار إلى الكهف السرى.. أخر ما تبقى من السكان الأصليين فى طقس يتكرر 7 مرات كل عام. الأطفال داخل الغسالات الأوتوماتكية يضحكون، واللفات تدور بسرعات متفاوتة، والأمهات يهدهدن الأزواج، وهن يضعن أطواق من زهور مصبوغة ممنوحة لهن من فتاة الزهور، ويصنعن قربان من دقيق القمر، و حبة البركة تصنع نقاط سوداء بلون الذنوب و معنى التطهر. يخرج الأطفال من الغسالات بعد 7 ساعات أنقى من الملائكة، ليكون القربان قد نضج،فيطعموا أمهاتهم و يعترفوا لآبائهم بذنوبهم الصغيرة، ثم يرتدون حفاضاتهم التى تقطر مسكا و عنبرا، و يستعدون للعرض الأخير.
يُنصَب السيرك وفى خلفيته جبل المغناطيس، وتتداخل أصوات الموسيقى اللاتينية الحالمة الراقصة مع صخب الطبيعة فى تآلف يحدث 7 مرات فى العام. يظهر الساحر ومعه القبعات السبعة، يلقى بالأولى فتخرج منها مريم، ومن الثانية تظهر روبيلين، ومن الثالثة تنبثق البومة التى كانت بنية، والرابعة تقفز منها العجوز المتصابية، ومن الخامسة فتاة الألوان، ومن السادسة فتاة الزهور، ومن السابعة يحلق النورس الشرس ليخطف الأرنب و يعيده لمكانه الطبيعى..قبعة الساحر.
يتحول السبعة لدخان، و يتجمعوا فى شكل إعصار هادى بألوان قوس قزح فى جزيرة بلا أمطار. يتحرك الإعصار بنعومة حتى يختفى جبل المغناطيس داخله، و يظل الجبل يدور و يدور و يدور، ثم يسكن كل شىء. يختفى الإعصار ويزداد الجبل لمعانا، ويلقى لك بقلبك الذى صار كبيراً وردياً، وبداخله قرنفلات بنفسجية وياسمينات بيضاء، تطير لك و تجذبها شرايينك وأوردتك، فتنتشى، ثم يستقر القلب داخل روحك، وتبرأ من سقمك، بلا ألم قديم ولا علامة جرح.
تشعر بالألفة والــ (إيناس) و تتأكد من أن الـ ( حليم) ليس هو شديد الصبر فقط ولكنه الحالم ذو الخيال الجامح.
بقلبك الجديد تعيد الإبحار، على طوفك مستلقيا، ترى السحاب يكتب نبوءته/حكمته:
داخل بذور المشمش .. حبات تشبه اللوز.. لكنها ليست لوزاً..لا تأكلها .. لا تأكلها .. فهى سامة!!
أما أنتِ أيتها الساحرة الساخرة العاهرة الطاهرة المطهرة .. المجد لك... المجد للألم.
أيتها الكتابة أنتِ الداء والدواء والشفاء.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة