هيام محيى الدين يكتب: أوباما والأزمة السورية

الخميس، 19 سبتمبر 2013 12:05 م
هيام محيى الدين يكتب: أوباما والأزمة السورية باراك أوباما

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأت الولايات المتحدة ممارسة دورها كقوة عظمى عالمية عند نهاية الحرب العالمية الثانية وخروجها منتصرة انتصارا حاسماً على دول المحور، ومحتكرة وحيدة للسلاح النووى الذى أنهت به الحرب مع اليابان قبل أن يصل الروس إلى إنتاجه، وكانت الرؤية الأمريكية لممارسة هذا الدور تتسم ببراجماتية خالصة وأنانية مطلقة فحددت محورين أساسيين:

المحور الأول: حصار الدول الشيوعية الدائرة فى فلك الاتحاد السوفيتى بالقواعد العسكرية حول العالم بمشاركة حلفائها التقليدين فى أوربا، خاصة إنجلترا وفرنسا وصناعة الأزمات لإضعاف الكتلة الشرقية وروسيا.

والمحور الثانى: إزاحة حلفائها من مستعمراتهم السابقة فى آسيا وأفريقيا والحلول محلهم بشكل استعمارى جديد ليس فيه احتلال عسكرى.

وكان الشرق الأوسط والمنطقة العربية فى القلب منه هو درة التاج التى اهتمت أمريكا بتحقيق المحورين فيها بإقامة القواعد العسكرية لاستكمال حصار الكتلة الشرقية، وإزاحة حلفائها إنجلترا وفرنسا المحتلين لهذه الدول والحلول مكانهم باستعمارها الجديد، وكلنا يذكر تدخلهم فى مفاوضات الجلاء بين مصر وبريطانيا ورعايتهم لإقامة حلف بغداد لاستكمال حصار روسيا فى خمسينيات القرن الماضى، وكان رفض مصر لهذه السياسة الأمريكية الصخرة التى تحطم عليها المشروع الأمريكى ذو المحورين.

وكلنا يعرف الأحداث التاريخية التى مرت بها المنطقة والصراع بين المشروع الأمريكى والمشروع القومى العربى واستخدام إسرائيل لضرب المشروع القومى وإعادة المنطقة للتبعية الأمريكية، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتى وانهيار الشيوعية أصبحت الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة بلا منافس وطورت مشروعها للسيطرة على هذه المنطقة الهامة من العالم والتى تشكل بموقعها الجغرافى الحاكم وثرواتها النفطية الأسطورية كنزا لا يمكن الاستغناء عنه لأى قوة عظمى فى العالم.

ومعظمنا قد عاش مرحلة العقود الأربعة الأخيرة وشاهد المحاولات الأمريكية لتحقيق أهدافها فى المنطقة، وقامت مراكز البحوث الأمريكية خلال هذه العقود بتنفيذ مئات الدراسات عن المنطقة وشعوبها وأنظمتها وتقاليدها وأعرافها وشارك فى وضع هذه الدراسات معاهد وجامعات ومتخصصون فى علوم السياسة والدين والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والحضارة بعضهم من أبناء دول المنطقة الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة، وأسهمت هذه الدراسات فى وضع أسس السياسة الأمريكية فى المنطقة على أساس من توصيات هذه الدراسات، والتى لا يمكن أن ننكر أنها حققت نجاحاً ملحوظاً للسياسة الأمريكية فى المنطقة فى بعض الأحيان.

ولكن كما يقال لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة فقد فشلت كل الدراسات التى قام بها الأمريكيون مع شعبين من شعوب المنطقة هما الشعب المصرى والشعب العربى السورى فالوطنية المصرية التى صنعتها دولة مركزية فى مكان عبقرى منذ سبعة آلاف عام استعصى فهمها على الباحثين الأمريكيين لأن علاقتهم بالتاريخ العريق غير وثيقة وكذلك العروبة السورية كفكرة قومية، تغلغلت فى نفوس السوريين منذ العصر الأموى، تعتبر فكرة غريبة على العقلية الأمريكية التى تكون شعبها من تذويب قوميات متعددة.

لذلك فشلت كل المخططات الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم فى تحقيق نجاح وأضح أو دائم مع هذين الشعبين، وكلما خطت سياستهم خطوات نحو تحقيق نجاح ما يفاجئهم الشعبان أو أحدهما بتدمير مخططاتهم وإفشالها مثلما حدث مع حلف بغداد فى الخمسينيات وإسقاط الشعب المصرى لحلفائهم الإخوان فى يونيو الماضى وقد اندفعوا بعد هذا الفشل إلى محاولة تحقيق نجاح لحلفائهم الجدد فى سوريا دون أن يدركوا أن السوريين كالمصريين شعب لم تستطع العقلية الأمريكية البراجماتية فهمه أو اكتشاف طريقة للتعامل معه، فدخل الأمريكيون وإدارتهم الحالية منطقة ملغومة بغباء لا يشابهه إلا غباء حلفائهم المعاصرين من تيارات التأسلم السياسى.

ووجد الرئيس الأمريكى ومستشاروه أنفسهم فى حفرة حفروها بأنفسهم فسقطوا فيها، بل أن نظام بشار الأسد حقق شعبية بسبب رعونتهم وخسر حلفاؤهم من المعارضة السورية الكثير من التعاطف الشعبى داخل سوريا وخارجها بين شعوب الأمة العربية، ورغم كل الاعتراضات على طغيان نظام الأسد ووحشيته إلا أن التلويج الأمريكى بالتدخل العسكرى فى سوريا صنع حالة من الرفض الشعبى العربى العارم، بصرف النظر عن مواقف حكوماته، لأى عدوان أمريكى على سوريا ووضع المعارضة السورية فى موقف شديد الحرج وعرضها للاتهام بالخيانة والاستعانة بالأجنبى ضد الوطن ومؤسساته وقدراته العسكرية والاقتصادية التى هى ملك للشعب العربى السورى وليست ملكا لنظام بشار كما أن مواقف روسيا وإيران الداعمة لنظام الأسد جعلت تنفيذ التهديد الأمريكى بضرب سوريا مغامرة غير محمودة العواقب على إسرائيل وعلى المنطقة بأسرها.

وأصبح الرئيس أوباما فى وضع لا يحسد عليه يمسك بزهرة أقحوان يقطع أوراقها ويقول: أضرب / لا أضرب أو يقول حادى بادى سيدى محمد البغدادى شاله وحطه كله على دى، وهى نكات تعبر عن واقع حيرة الرئيس أكثر منها فى التعبير عن فكاهة ساخرة وقد حفر أوباما بنفسه الحفرة التى سقط فيها وهو يقصد أن يوقع فيها بشار ونالت السياسة الأمريكية الفشل الذى حدث لها فى مصر، ولعله يغير من سياسته ويتفهم الطبيعة المختلفة لشعب ينتمى لقومية راسخة فى جذوره ويعيد رسم علاقات الولايات المتحدة بالمنطقة على أساس من رؤية موضوعية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة