روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتى السابق، وأحد الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن، تعود من جديد بعد أن انطفأ نورها فى مطلع تسعينيات القرن الماضى بعد انهيار الاتحاد، تعود لتنافس وبقوة الولايات المتحدة على قيادة العالم مرة أخرى بعد أن ظلت الأخيرة هى القوة الأوحد فى العالم لمدة تزيد عن العشرين عاما.
روسيا الجديدة فى ظل حكم فلاديمير بوتين، رجل المخابرات الروسية، القوى والذى يشبه فى قوته بستالين الديكتاتور السوفيتى السابق، تعمل فى صمت أو من وراء الستار.. وقد تجلى ذلك فى عدة مناسبات وأحداث أثبت خلالها الدب الروسى أنه ندّ عنيد لأمريكا وللقوى الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وألمانيا.
أهم هذه الأحداث على الإطلاق هى الأزمة السورية، ووقوف روسيا باستماتة بجانب نظام الرئيس السورى بشار الأسد وتزويده بالأسلحة ورفض كل محاولات القوى الغربية لإسقاطه.
فالعام الثالث للثورة السورية يقترب والأسد صامد فى مكانه، بل ويحقق انتصارات على الجيش الحر المدعوم من الولايات المتحدة والدول الأوربية وبعض الدول العربية، كل هذا بفضل وقوف روسيا بجانبه، حتى عندما فكر أوباما فى ضرب سوريا على خلفية مزاعم استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوى فى الغوطة الشرقية بريف دمشق، نسف بوتين كل هذه التحركات بإقناع دمشق، فى حنكة وبراعة دبلوماسية شديدة، بالانضمام وفورا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحظر انتشار الأسلحة الكيميائية والموقعة فى عام 1993، وقد كان فبالفعل قامت دمشق بتسليم أوراق انضمامها للاتفاقية المذكورة إلى الأمم المتحدة، ثم جاء بعد ذلك اتفاق جنيف بين روسيا والولايات المتحدة ليعطى فرصة للحلول الدبلوماسية للأزمة السورية، مما ووضع ادارة اوباما فى مأزق، بعد أن كانت قد اتخذت قرارا شبه نهائى بضرب أهداف محددة فى سوريا وطالبت الكونجرس بمنحها تفويض بذلك.
روسيا، التى تحاول أن تعيد التوازن للمشهد الدولى بعد سنوات من القرارات الأحادية من الطرف الأمريكى، تتحكم فى 99% من أوراق اللعبة فى سوريا أكثر من أى دولة وحتى أكثر من الولايات المتحدة نفسها، واقناع دمشق بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية تدل على ذكاء سياسى من الرئيس الروسى بوتين لإجبار الولايات المتحدة على استبعاد الخيار العسكرى ضد سوريا، ولو حتى مؤقتا، وعدم تدخل الغرب لإسقاط نظام بشار الأسد وممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية من أجل العودة إلى المفاوضات، وهو ما أتضح وثبُت فى اتفاق جنيف بين وزيرى خارجية أمريكا وروسيا، وقبول الولايات المتحدة للمبادرة الروسية حول الأسلحة الكيميائية السورية، خاصة بعد فشل أمريكا فى حشد حلفائها لضرب سوريا، وعدم موافقة الكونجرس، حتى الآن، أو إعطاء تفويض رسمى لإدارة أوباما لضرب سوريا.
الفشل الأمريكى أمام الصعود الروسى لا يقتصر فقط على الأزمة السورية، التى تعتبر أم الأزمات حالياً، ولكن هناك أزمات وصراعات أخرى بين القوتين العظميتين سجل فيها الدب الروسى انتصارا حاسما على أبناء العم سام وفى مقدمتها الأزمة المصرية وانحياز الإدارة الأمريكية إلى جماعة الإخوان، معتبرةً أن ما حدث فى 30 يونيو هو انقلاب عسكرى على الشرعية، وتهديد أمريكا بقطع المعونات والمساعدات عن مصر، بينما على الجانب الأخر حذرت روسيا أمريكا بعدم فرض أى عقوبات على مصر، وتعهدت بتقديم مساعدات مالية وعسكرية إلى مصر فى حال قطع المعونة الأمريكية عنها.
الأزمة الأخرى هى قبول روسيا منح حق اللجوء السياسى إلى موظف وكالة الاستخبارات الأمريكية ادوارد سنودن فى ضربة كبرى لواشنطن واشارة واضحة على عودة أجواء الحرب الباردة بين الطرفين.
إن العالم يتغير ويتشكل من جديد ويعاد رسمه مرة أخرى، وقواعد اللعبة الدولية يعاد صياغتها، وهناك لاعبون جدد ظهروا على الساحة السياسية الدولية وآخرون انسحبوا، إضافة إلى ثمة تغير فى موازين القوى لإعادة اقتسام المصالح والنفوذ بين القوى الدولية الكبرى، وكل المؤشرات تؤكد على عودة روسيا لتصبح لاعب دولى وإقليمى مؤثر على الساحة الدولية، وفاعل رئيسى فى صناعة القرار العالمى.
فلاديمير بوتين
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ممحمد صفوت
انت متاكد انك بتتكلم عن روسيا؟
عدد الردود 0
بواسطة:
منى
روسيا حليف قوي لمصر