لعل من أكثر الوزارات التى خضعت لتعديلات وزارية على مدار العقود الماضية هى وزارة التربية والتعليم ومنصب الوزير الذى يعد تكليفا وتشريفا ومسئولية جسيمة أمام الله، ثم الوطن والتاريخ فهو المسئول عن تربية وتنشئة وتعليم الأجيال والغريب أن تعديل المنصب لم يكن مبنى على رؤية استراتيجية للنهوض بالتعليم وتنفيذ سياسات تعليمية طويلة المدى، ولكن تم ربط التعليم بالعملية السياسية بالمقام الأول بتوجه وتبعية سياسية للحزب أو السلطة الحاكمة.
لقد شهد التاريخ الطويل لوزارة التربية والتعليم منذ نشأتها فى عام 1837 تحت مسمى "ديوان المدارس"، برئاسة مصطفى مختار باشا، وحتى يومنا هذا ما يقرب من خمسين وزيرا، وتولى هذا المنصب الرفيع مفكرين عظام مثل سعد زغلول وعلى مبارك وطه حسين، فالاختيار الجيد للوزير كونه تربويا مفكرا أولى بالتخصص والتعمق علما وفكرا بهذا المنصب الرفيع، الذى يتولى قضية التعليم التى تمثل أهم محاور الأمن القومى وهو أهم أحد العناصر الأساسية فى تنمية وبناء الإنسان الفرد الذى يشكل عماد الأمة وركيزتها الأساسية.
ولعل السمة المميزة لعملية اتخاذ القرار التربوى فى مصر هى التضارب والتناقض والعودة دائما إلى المربع الأول، وهذا ما تم تأصيله على مدار ثلاثين عاما مضت كانت أبرز سماتها التعاقب العشوائى بلا خطط محددة أو أهداف مدروسة على أيدى وزراء بعيدين كل البعد عن العملية التربوية (مهندسين، أطباء، رجال قانون) أو تولى البعض لمنصب الوزير لأسابيع أو شهور قليلة وهو أمر لا يحمل دلالة الجدية ولا يدل على استراتيجية حقيقية متعددة المراحل للنهوض بالعملية التعليمية، خاصة إذا علمنا أن من عادة وزرائنا أن يهدموا ما أرساه سلفهم، وانحصر دورهم فى الإصلاح الشكلى من تعديل أو تقصير أو زيادة أو نقصان وتبقى الدلالة الوحيدة هى سوء التخطيط والإداء وهو ما يعد إهدارا للوقت والجهد والموارد مما أدى إلى إضعاف ثقة المجتمع فى التعليم وتهميش دور المؤسسات التعليمية تعليميا وتربويا والنتيجة مخرج سىء يضاف إلى سابقه فى السوء.
والقضية الأشد خطرا فى المنظومة التعليمية هى قضية المناهج والتى هى مسار عبث للإرادة والإدارة السياسية، إذ أصبحت المناهج الدراسية من بداية الثمانينات أداة من الأدوات السياسية فى يد السلطة تعيد فيه صياغة التاريخ وفق رؤيتها وتخضعها إلى الإضافة والحزف أو التعديل أو التبديل حتى نخلص فى النهاية إلى مسوخ تربوية فى شكل كتب لا تضيف إلى عقل التلميذ أو الطالب بل تخصم من تشكيل وجدانه وتسهم فى تضليل مصيره، أنها أخطر آفات العصر التى تهدم جيل من المرجو منه أن يقود مستقبل مصر الجديدة التى نتمناها جميعا.
والمشكلة الثانية التىلا تقل أهمية هى ضعف أو تردى الإنفاق على التعليم كنسبة من الانفاق الحكومى اذ تصل فى مصر إلى 11% من الانفاق الحكومى فى حين تصل إلى 25% فى السعودية و22% فى الإمارات و36% فى جزر تسمى جزر سليمان، وهذا يعكس اهتماما كثيرا من الحكومات العربية بقضية التعليم خصوصا فى مراحله الأولى وهى مرحلة البناء والاهتمام بكل مدخلاتها من معنى ومبنى والمعنى يشمل العناصر الديناميكية الفاعلة من معلم ومنهج وطالب وإدارة ومبنى من حيث العناصر المكملة من البنية التحتية المتمثلة فى المدارس والتجهيزات الملحقة بها.
والحل هو تبنى رؤية استراتيجية طويلة المدى (عشرون سنة على الأقل) من خلال مجلس استراتيجى يتشكل من المفكرين والمثقفين وخبراء التعليم والتنمية البشرية والشركاء الفاعلين فى المجتمع من كل المؤسسات والمنظمات الوطنية لتعزيز مبدأ المسئولية المجتمعية تجاه قضية التعليم، وذلك بهدف النهوض بالعملية التعليمية بكل عناصرها والتحول من الفكر التلقينى إلى الفكر الابتكارى ومناهج الحداثة التى لا يمكن لأية عملية تعليمية وتربوية أن تنجح بدونها.
إننا لابد من حسم أمرنا لنعرف أين نحن الآن؟ وإلى شىء نريد أن نكون؟ وما هو السبيل لذلك؟ وهذه الاستراتيجية تمثل منهاجا بغض النظر عن ذهاب وزير أو تغير حكومة، فالتالى يكمل على سابقه فهذا هو ما يفعله من سبقنا إلى النهضة والتقدم ساعتها من الممكن أن نأمل فى امتلاك مخرج جيد للمنظومة التعليمية يسهم فى استنهاض الأمة ويجعلها فى الصدارة بين الأمم.
عبد النبى مرزوق يكتب: نحو استراتيجية وطنية للتعليم
الخميس، 19 سبتمبر 2013 06:16 ص
طلاب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة