بلا شك يُقدر المصريون الجهود الأمنية التى يبذلها رجال الجيش والشرطة، فضلاً عن شهداء الواجب ممن اغتالتهم يد الغدر مع التأكيد على أن دماءهم فى رقاب الجميع، وليس فقط زملائهم، الذين أدرك أنهم يواصلون الليل بالنهار لإحباط محاولات نشر الفوضى والذعر بمخطط ممنهج تنفذه جماعة الإخوان ومن يصطفون خلفها.
هذه المقدمة تمهد للخوض فى جوانب القصور والثغرات والاختراقات التى تُشكّل كارثة لجهاز الأمن، ولعل أبرزها تلك «البؤر الإرهابية» الخارجة عن القانون وأشهرها منطقة «كرداسة» بالجيزة، وقرية «دلجا» كبرى قرى محافظة المنيا، والتى أكدت تقارير أمنية وشهادات أهاليها أنهم تعرضوا لأبشع ممارسات الإجرام والإرهاب من تنظيمي: «الإخوان» و«الجماعة الإسلامية»، ناهيك عن الاتجار بالسلاح والمخدرات، وفرض إتاوات على مسيحيى القرية لمدة استمرت 76 يومًا، ظلت خلالها خارج السيطرة الأمنية، حتى تمكنت قوات مشتركة من الجيش والشرطة باقتحامها الاثنين 16 سبتمبر الجاري.
المفاجأة التى فجّرها مدير أمن المنيا هى اعترافه باختراقات بين صفوف رجال الشرطة، موضحًا أن الأمن الوطنى نجح بتحديد هوية العناصر المخترقة وأن القوات عثرت على الهاتف المحمول الخاص بعاصم عبدالماجد الذى كان بالقرية، لكنه فرّ قبيل الاقتحام بدقائق بوشاية من أحد رجال الأمن خاصة أن هاتفه كان يضم أرقام هواتف بعض ضباط الشرطة بالمنيا.
أما أهالى القرية فتحدثوا عن سيطرة أنصار الإخوان والجماعة الإسلامية على المنشآت الحكومية بالتواطؤ مع بعض رجال الشرطة الذين تركوا لهم نقطة بأسلحتها وغادروها، ليحرقوا قاعة الخدمات بكنيسة مارجرجس بالقرية، وممتلكات المسيحيين وفرضوا الإتاوات عليهم، وأطلق عناصر الجماعة الإسلامية شائعات منها مثلاً «أن البابا تواضروس يسعى لجعل مصر دولة مسيحية» وأنه قال للفريق عبدالفتاح السيسي: سأحشد الشباب والأموال والدعم الأمريكى لهدم دولة الإسلام، التى كان مرسى يسعى لإقامتها»، وغيرها من الدعايات السوداء. لم يقتصر هذا التحريض الإجرامى على المسيحيين وحدهم، الذين يقدر عددهم بنحو 20 ألف نسمة، بالقرية التى تضم خمس كنائس تتبع عدة طوائف، لكنه امتد للاعتداء على كبار مسؤولى الأمن، ومنهم نائب مدير الأمن الذى ذهب للقرية ليحاول احتواء الوضع، بإقناع قادة الإخوان والجماعة الإسلامية بعدم اللجوء للعنف لكنه تعرض للاعتداء بالضرب والإهانة فى مشهد غير مسبوق.
وتواترت الأنباء عن اختباء عاصم عبدالماجد المطلوب للعدالة بالقرية وكان يتولى تسليح وتدريب شباب الجماعات، بل سُربت فيديوهات لمدافع RBJ على مئذنة مسجد «عباد الرحمن» الذى وصفه أهالى القرية من معارضى جماعات الإرهاب، بأنه أصبح مخزنًا للأسلحة، وكان يتمترس داخله قادة الجماعات.
وتعاملت القوات خلال الاقتحام بحرفية تُحسب لها فأغلقت منافذ القرية التى تبلغ 36 منفذًا، وطوقت قريتى «البدرمان» و«زعبرة» المتاخمتين لها، وشاركت عشرات المدرعات كما حلقت مروحيات بسماء القرية، بينما اكتفت القوات بالغازات المسيلة للدموع لفض الاشتباكات، وبدأت عمليات مداهمة منازل قادة الجماعات الإرهابية التى تعج بها «دلجا» إذ تنشط هناك التنظيمات من الإخوان للسلفية الجهادية، وهو ما يثير قلق الأهالى من عودتهم للانتقام لاحقًا.
وهكذا شكلت «دلجا» حالة نموذجية لبؤرة جمعت بين الإجرام الجنائي، والإرهاب الديني، وظلت نحو 76 يومًا تُشكّل تحدّيًا صارخًا للدولة، وحينما ناقشت مسؤولين أمنيين أكدوا أن قرار اقتحامها كان محسومًا، لكنهم تحلّوا بالصبر لاتخاذ التدابير اللازمة لتقليل الخسائر فلم يقتل أحد، موضحين أن ذلك نتيجة حسابات دقيقة، خاصة أن الإرهابيين جعلوا مسيحيى القرية والنساء والأطفال رهائن، ولوحوا بحرق الكنائس والمساجد تنفيذًا لخطة «الأرض المحروقة» التى تنفذها الجماعات الإرهابية.
ثمة طرف خطير بهذه المواجهة الدموية المرتقبة وهى قناة «الجزيرة مباشر مصر» التى يتطوع شباب الجماعات لتزويدها عبر برامج البثّ باستخدام الكمبيوتر، وظلوا على اتصال بإدارة القناة بالدوحة، عبر برامج الاتصالات لتزويدها بمواد مصورة، لدرجة أنهم كانوا يُجبرون القساوسة على التصريح للجزيرة بأن المسيحيين لم يتعرضوا لاعتداءات، وأن ما تنشره الصحف والفضائيات محض أكاذيب.
تحدثت مع بعض شباب القرية من معارضى جماعات الإسلام السياسي، فأشاروا لشخص يدعى حسنى الكحيلى وهو مدرس وقيادى بالجماعة الإسلامية، ومطلوب للعدالة باعتباره المحرض الرئيسى على قتل الأقباط وحرق ممتلكاتهم، ويوصف بأنه قائد العمليات، وتحركاته داخل القرية وسط حشد غفير من أتباعه وحرّاسه المسلحين ببنادق «الكلاشينكوف». ورغم حسم «ظاهرة دلجا»، لكن يبقى السؤال عما إذا كانت «كرداسة» التى شهدت مجزرة دامية لرجال الشرطة هى الهدف المُقبل، ويعرب مسؤولو الأمن عن قلقهم لدواعٍ أمنية مُعقدة، كالكثافة السكانية والطبيعة الجغرافية للمكان، مما يجعل اقتحامها أكثر صعوبة، لكنهم أجمعوا على أن قرار الاقتحام محسوم، وهى مسألة وقت لتنفيذ العملية المحفوفة بالمخاطر.
قراءة فى ظاهرة «البؤر الإرهابية» الخارجة عن السيطرة وقصة اختراقها لبعض رجال الأمن.. بعد اقتحام «دلجا» عاصمة الإرهاب بالمنيا المخاطر لم تزل قائمة.. و«كرداسة» الهدف المقبل
الأربعاء، 18 سبتمبر 2013 01:27 م