عادة ما يروج لليبرالية على أساس أنها قوام نجاح وازدهار المجتمعات وتحصر نخبنا من الإعلاميين وأساتذة العلوم السياسية شرح الليبرالية فى إطار أنها حرية ممارسة الحقوق السياسية فى حين أن الليبرالية منظومة متكاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية.
فجانب هذه النظرية الاقتصادى هو الرأسمالية التى ترعى حقوق الفرد فى تكوين ثروات بلا حدود أقصى وبدون أية ضوابط أخلاقية فالمنفعة تبرر كل الوسائل والمصالح هى أساس العلاقات, وهو ما جعل الثروات تتركز فى يد فئات ضئيلة من المجتمعات بحيث تختفى الطبقات الوسطى التى تدوسها الطبقات الرأسمالية فى طريقها وتطحن الطبقات الفقيرة والدنيا لتكون مجرد تروس تدور بها الرأسمالية.
وبالتالى فإن الرأسمالية تحول الأغنياء لطبقات أكثر غنى والفقراء لطبقات أكثر فقرا.
وقد أودت الرأسمالية الليبرالية باقتصاديات دول العالم الثالث التى وصل بعضها لحد المجاعات بسبب سياسات صندوق النقد والشركات متعدية الجنسيات وغيرها من آليات الرأسمالية الجشعة التى تدوس على رقاب الضعفاء ولا تعترف بالفقراء والمهمشين.
بل لقد ساهمت السياسات الراسمالية فى انهيار اقتصاديات دول أكثر قوة كاليونان وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وأى دولة تخضع لمنظومة وسياسات صندوق النقد الدولى.
أما الشق السياسى لليبرالية الذى دوما ما تجد السياسيين يتحمسون له على أساس احترام حقوق المواطنة وكفالة الحقوق السياسية، فإن رؤوس الأموال كثيرا ما تلعب أدوارا سيئة فى تزييف إرادة الشعوب بل وتزييف الوعى نفسه، فالسياسة الليبرالية القائمة على الحرية لم تلزم المجتمعات بأخلاقيات والسياسة فيها بلا أخلاق وبلا سياج من القيم يحمى الإرادة والمبادئ والكرامة الإنسانية.
والأحزاب والسياسيون يعتمدون نظريات البراجماتية والمكيافيلية فى الحصول على كل شىء، فالأشياء الصحيحة هى التى تجلب نفعا ومكسبا والغاية تبرر الوسيلة ولا تهمهم كيفية الوصول بقدر ما يهمهم الوصول نفسه.
وبرغم أن الليبرالية والبراجماتية الغربية تضيق الخناق رويدا رويدا على العالم بأسره وتطحن البشر وتقتل كل القيم والمبادئ فى الحياة نجد المجتمعات المتشوقة للحرية تلهث خلف النماذج الغربية بلا تجديد أو إبداع برغم المساوئ الجلية أمامهم وبرغم سعى المجتمعات الغربية نفسها لإصلاح ما أفسدته الرأسمالية فى السياسة والاقتصاد على حد سواء وما جلبته الليبرالية على المجتمعات من شقاء.
وبنظرة اجتماعية على المجتمعات الليبرالية فإنها مجتمعات متفككة تفتقد للتواصل الإنسانى والمودة والتراحم لأن المصالح تقتل كل براءة ولأن الحرية بلا مسئولية تفتقرمعها الأسر للدفء والتماسك والتضحية يعيش فيها الانسان وحيدا وسط الجميع لا يبالى بغيره كما لا يبالى به الآخرون فعن أى شىء نبحث لديهم لنعوض نقص مجتمعاتنا بينما مجتمعاتهم يعتريها الخلل من كل جانب.
ولو أن ضالة مجتمعاتنا العربية هى الحرية واحترام حقوق الإنسان فى التعبير ولو أننا جميعا ننشد المساواة فى الحقوق والواجبات، فإننا بحاجة لإرساء تلك القواعد فى دساتيرنا وقوانينا بالرجوع لأخلاقيات الإسلام التى تضمن حق كل إنسان بشرط عدم الجور على حقوق الآخرين أو ظلمهم فالسياسة فى الإسلام مبنية على أسس من القيم.
وازدهارالحضارة الإسلامية قائم على الأخلاق التى أبهرت العالم من فرط العدل والإحسان حتى مع الأعداء والخصوم.
فما بالنا نلقى خلف ظهورنا ميراث الحضارة ونلهث خلف قشور وخلافيات ونترك الأصل ونروغ خلف الصور والفرق المتناحرة فيما بينها فتفتر همتنا ونهجر جذورنا الثابتة، ونبحث عن طرق أثبتت فشلها عند غيرنا, فقط لأنها جاءتنا من الغرب الأكثر تقدما الآن وإن كان فى هبوط وانحطاط بسببها.
إننا بحاجة للعودة إلى الجذور والحفاظ على الهوية بينما نشق طريقنا نحو التقدم بحيث لا نفقد ميزاتنا الإنسانية ورقينا الأخلاقى ونصعد فى طريق العلم والإنتاج بلا كلل.
أننا بحاجة للاستفادة من العلوم الإيجابية والتقنيات العالية عند الغرب لكى نحللها ونتعلمها لنطور إمكاناتنا ونصل للريادة التى نستحقها وكذلك نحتاج للتبع مسارات العلم الحديث فى كل المجالات لتدارك وضعنا فى البحث العلمى والتصنيع والإنتاج لأن هذا هو ما ينقصنا وليس استيراد المفاهيم والمصطلحات.
فالعلم أساس لازدهار الحضارات ما دام يحرسه أخلاقيات وقيم راسخة، ديننا يحثنا على التعلم والإسلام كمنهج حياة يطالب الإنسان بالعلم والتطور والبحث عن التفرد والتميز لكى يسبق غيره من الأمم فليس هناك أدنى تعارض بين العلم والبحث وبين الإسلام فديننا عبادة وعمل, أخلاق وعبادات ومعاملات، ولا تنهض الأمم سوى عندما تتحرك جناحا الازدهار العلم والتطبيق.
