يشكل الاتفاق الروسى الأمريكى حول الأسلحة الكيميائية السورية منعطفًا فى مسار الأزمة المستمرة منذ أكثر من عامين، لكن من شأنه، بحسب محللين، تمديد النزاع ودفع المعارضة والنظام إلى المزيد من التشدد.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة باريس، سود خطار أبو دياب "نحن أمام تمديد للمأساة بشكل أو بآخر، وتركيز الأنظار على المسألة الكيميائية، مع استمرار الاهتراء على الأرض"، فى إشارة إلى أعمال العنف اليومية التى حصدت أكثر من 110 آلاف شخص فى ثلاثين شهرًا.
ويرى أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية فى باريس، زياد ماجد "إننا دخلنا فى مرحلة إدارة جانب من الأزمة. للمرة الأولى ثمة تدخل دولى متفق عليه وبشكل مباشر فى إدارة جانب خاص بالتسليح الاستراتيجى للنظام"، الذى امتنع حتى أيام قليلة مضت عن الاعتراف بامتلاكه أسلحة مماثلة.
إلا أنه يعتبر أن "هذا لا يكفى، لأنه إذا لم يترافق مع ضغط عسكرى على النظام خارج السياسة والدبلوماسية ومع إضعاف ميدانى له، نكون فى دوامة قتل مستمرة من دون تعديل جدى لموازين القوى".
وأعلنت واشنطن الداعمة للمعارضة السورية، وموسكو أبرز حلفاء النظام، اتفاقًا، السبت، على خطة لنزع الأسلحة الكيميائية السورية مع جدول زمنى.
وأتى الاتفاق بعد أسابيع من التهديدات الغربية بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، ردًا على هجوم مفترض بالأسلحة الكيميائية قرب دمشق فى أغسطس.
وبدأ شبح الضربة يبتعد منذ دعت موسكو فى التاسع من سبتمبر دمشق إلى الموافقة على وضع أسلحتها الكيميائية، تحت إشراف دولى تمهيدًا للتخلص منها. وسارعت دمشق إلى الموافقة، وتريثت واشنطن فى اتخاذ قرار حول الضربة لإفساح المجال أمام الدبلوماسية.
ويرى ماجد أن سحب الأسلحة الكيميائية "ليس نهاية المطاف، بل هو مسار يمكن أن يكون تصاعديًا إذا ترافق مع ضغط وتهديد دائم باستخدام القوة، والتلويح بمسألة الفصل السابع (من ميثاق الأمم المتحدة)، والتركيز على أن نزع سلاح الجريمة لا يعنى انتهاء مفاعيل الجريمة".
وخلال إعلانه الاتفاق بعد ثلاثة أيام من المباحثات مع نظيره الروسى سيرجى لافروف فى جنيف، قال وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، السبت، إن الاتفاق يمهل دمشق أسبوعًا لتسليم لائحة بأسلحتها الكيميائية، على أن تتم إزالتها وتدميرها بعد انتهاء النصف الأول من العام 2014.
ويلوح الاتفاق باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولى تحت الفصل السابع فى حال إخلال النظام بالتزاماته.
وسارعت المعارضة السورية إلى رفض الاتفاق، مطالبة بتوسيع الحظر على الأسلحة الكيميائية، ليشمل عناصر التفوق العسكرى للنظام، لاسيما سلاح الجو والصواريخ.
ويقول عضو الائتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة، سمير نشار، لوكالة "فرانس برس"، إن الائتلاف "شديد الشك، وحتى يرفض المشاركة فى جنيف 2 ما لم يُحاسب المسؤولون عن ارتكاب الجريمة"، فى إشارة إلى مؤتمر دولى تسعى واشنطن وموسكو إلى عقده سعيًا إلى حل سلمى للنزاع، بمشاركة ممثلين للنظام والمعارضة.
ويرى أبو دياب، أن الاتفاق الروسى الأمريكى سيدفع بطرفى النزاع إلى مواقف أكثر تصلبًا، معتبرا أن "النظام سيصبح أكثر تشددًا، لأنه يعتقد مع حليفه الإيرانى أنه قادر على الحسم، والقوى الأخرى ستذهب أكثر نحو نهج جهادى مغلق".
وأوردت دراسة أجراها المعهد البريطانى للدفاع "آى.إتش.إس جاينز" ونشرت مقتطفات من نتائجها، اليوم الاثنين، صحيفة "ديلى تلغراف" أن الجهاديين والإسلاميين المتشددين يشكلون تقريبًا نصف عديد قوات المعارضة السورية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الدراسة التى ستنشر كاملة هذا الأسبوع، يقدر عدد المسلحين الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس بشار الأسد بحوالى مائة ألف مقاتل يتوزعون على حوالى ألف مجموعة مسلحة مختلفة، بينهم حوالى عشرة آلاف جهادى يقاتلون تحت ألوية جماعات مرتبطة بالقاعدة، فى حين أن 30 الفًا إلى 35 ألفًا آخرين هم إسلاميون يقاتلون فى إطار مجموعات مسلحة متشددة.
وتشكو المعارضة من عدم وفاء الدول الغربية بوعودها بتسليمها أسلحة نوعية، وهو ما يقول الغربيون إنه نتيجة تخوفهم من وقوع هذه الأسلحة فى أيدى إسلاميين متطرفين.
إلا أن ماجد يرى أنه "فى المرحلة القادمة، فى حال لم يدعم المجتمع الدولى بالتسليح بشكل جدى الجيش الحر والكتائب غير الجهادية سيقوى الجهاديون فى العالم الذى يتذرع بوجود الجهاديين لئلا يتدخل كما يجب، هو الذى يشجع بعدم تدخله نمو الحالات المتطرفة".
ومن جهة ثانية، يرى المحللون أن التقاء المدة الزمنية المحددة للتخلص من الأسلحة الكيميائية السورية مع انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد يجعل من الاتفاق نقطة مساومة على ترشح الأسد لولاية جديدة.
ويقول أبو دياب "عندما يتم منحه صلاحية تدمير الأسلحة الكيميائية، هذا يعنى بقاؤه كمحاور للمجموعة الدولية وإعطاؤه كسبًا من ناحية المشروعية، ليذهب إلى جنيف 2 بصفة أقوى".
ويضيف "من الممكن أن يقول النظام إن التمديد لولاية رئاسية جديدة هو ثمن إعطاؤكم الأسلحة الكيميائية".
محللون: الاتفاق الروسى الأمريكى لا يحمل حلا للأزمة السورية
الإثنين، 16 سبتمبر 2013 03:48 م
بشار الأسد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة