لم يكن "دون كيخوت" فى الرواية الأشهر للأديب الأسبانى "ميجيل دى ثيربانتس"، سوى مجنون تجاوز الخمسين، "لحست دماغه" القصص الخرافية عن الفرسان الجوالين، فقرر أن يقتفيهم، فيغدو واحدا منهم، يحارب الطغاة، ويقيم العدل بحد سيفه.
القرار الأهوج حدا بالقروى المهووس، ذى الجسد الناحل والظهر المحدودب، إلى أن فتّش مخزنًا ببيته، فأخرج درعًا قديمًا متهالكًا ورمحًا أكله الصدأ، من إرث أسلافه، فأصلح من أمرهما ما استطاع، ثم ابتاع حصانًا عجوزًا، وهام على وجهه يحارب طواحين الهواء التى تتراءى له شياطين لها أذرع طويلة، ويهوى بسيفه على قطيع أغنام، معتقدًا أنها جيش عرمرم، ويطوّح بسيفه رؤوس عرائس خشبية على مسرح شعبى، لأنها اختطفت أميرة حسناء.
ومن مفارقات الرواية، أن كان للأخرق خادم قروى سمين مترهل، يدعى "سانشو" وكان ذاك الخادم مخطوفًا ذهنيًا، يرى سيده مغوارا لا يجدع له أنف، ولا يشق له غبار!
ولعل التأمل فى أبعاد شخصية "سانشو" يحيلنا بالضرورة، إلى نموذج عايشناه فى مصر لمدة عام.. نموذج أتباع جماعة الإخوان، الذين كانوا يهزون رؤوسهم طربًا كلما كان المعزول يلقى خطبه العصماء، وكانوا إذا أتحفنا بنظرياته الألمعية على شاكلة سبل الخروج من "منحدر الصعود" يهللون ويكبرون سامعين طائعين متنطعين.. حتى حسبنا أنهم إذا عطس سوف يشمّتونه ثم يقولون: "اعطس كمان يا ريس عطستك أحلى من عطسة المخلوع!"
ولأن للأدب العظيم ميزة أنك كلما قرأته تكتشف طبقات جديدة، فلا تنتهى المتعة بالقراءة الأولى، ولا تنقطع فى القراءات التالية، فإنه وكما أحالنا "سانشو" إلى أتباع جماعة الإخوان، فإن شخصية "دون كيخوت" ذاته، تحيلنا فى هذه الأيام، إلى فارس تسكن الأوهام نفسه، ينتفش زهوًا كديك رومى، ولا يكف عن الحديث عن أناه، كما لو كان الخالق لم يجعل له سميًا.
الفارس هو الفريق أحمد شفيق، مرشح الرئاسة الذى خسر أمام المعزول، فما كان بعد "خيبته الثقيلة" إلا أن شد الرحال إلى دبى، وتقمص دور المناضل "من بعيد" وشرع يبعث برسائل متلفزة، على طريقة رسائل بن لادن والظواهرى، من كهوف أفغانستان.
ومثلما كان لـ "دون كيشوت" خادمه "سانشو" وللمعزول أتباع، ثمة مفتونون بالفريق "دون شفيق دى لامنتشا"، يعتقدون بأنه محارب تعرفه الخيل والليل والبيداء، ومتحدث مفوه أوتى مجامع الكلم، ومفاتيح الحكمة، فإذا قال فيما يقول من طلاسم، إنه حارب وقتل بفتح القاف وضمها، صفقوا حتى تحمر كفوفهم، وذرفت مآقيهم دموعًا من فرط التأثر، ذلك دون أن يفسروا لنا شيئا من معجزة أن "الفريق المقتول"، ما يزال يتكلم ويسير على قدمين.. وأيضا يترشح للرئاسة!
سلوك هؤلاء لا يختلف كثيرًا عن سلوك "سانشو" المفتون بالفارس الموهوم، ولا عن سلوك الذين يتظاهرون حتى اللحظة الراهنة، من أجل عودة مرسى.
يبدو أن الإنسان يشقى إذا فتنته فكرة واهية وهمية، وقليلون هم الذين يملكون شجاعة المروق عما يعتنقون من ضلالات، ذلك أن فريقا يشعر بتوحده بفكرته ومعها وفيها، إلى حد أن تصير الفكرة جزءًا من ذاته، وعنصرًا مركزيا من محددات سلوكه، وربما مسببات وجوده، فيما تأخذ العزة بالإثم فريقا آخر.
لكن لابد من لحظة اعتراف.. لحظة حقيقة وحق ومكاشفة..لحظة تأتى لا ريب مهما تأخرت، كما حدث لـ "دون كيخوت" إذ اكتشف بعد ضياع عمره، أنه حقق درجة ممتازة من الحماقة، فهمس آسفا فى أذنى خادمه وهو يحتضر: ليت أنى فعلت شيئًا مفيدًا، ولم أقتفِ الروايات الخرافية التى سلبتنى عقلى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
احييك على هذا المقال الرائع - لقد سلخت الرجل دون ان تذبحه
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
البعض عندنا عاطفته جياشه حبتين يعنى لو شفيق ماسك منشة ذباب حيرشحوه بطل قومى
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
هوه كل واحد ركب طياره يبقى ضربه جويه - ممكن مثلا رايح يعقد صفقة بنبونى او غسيل اموال
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
فيري
شفيق يا راجل
قتل وقتل بفتح وضم القاف ههههههههههههههههههههههه