الثورة حلم بالتغيير، تغيير الواقع المعاش إلى واقع جديد ينطوى عليه هذا الحلم، ولا يشترط وفقاً لمقاييس علم الاجتماع أن يحلم بالتغيير المجتمع كله، ويكفى أن يتحرك لتفعيل هذا الحلم على أرض الواقع نسبة من هذا المجتمع، وهى ما يطلق عليه اصطلاحاً " الكتلة الحرجة "، وهى الكتلة الموجبة للتغيير وهى تتراوح ما بين 2% إلى 5% من عدد السكان، هذه نسب علمية معتمدة بناء على الأبحاث والدراسات التى تتعاطى مع علمٍ أصبح يُدَرَّس فى الجامعات، فى كليات "علم الاجتماع" و"الأنثربولوجيا" و"العلوم السياسية" يسمى "علم الثورة"، أو "أنثروبولوجيا الثورة" أو "علم اجتماع/سوسيولوجيا الثورة"، ولابد أن هناك نسبة ما تعارض هذا التغيير يمكن أن نطلق عليها الكتلة السالبة التى تعارض التغيير، ويتوقف نجاح أى من الكتلتين على قدرة إحداهما على جذب واختراق الفئة الضخمة المترقبة السلبية، فإن نجحت الكتلة الموجبة نجحت الثورة، وإن نجحت الفئة السالبة فشلت الثورة، والثورة المصرية نجحت فى إزاحة نظامين من سدة الحكم فى عامين ونصف، ووضع رئيسين فى السجن بما يعنى مبدئياً نجاح الكتلة الموجبة فى بدء موجة فعل التغيير الثورى الحراكى، ويتبقى أمامها استكمال مراحل هذا الفعل حتى يتسنى لها مزيد من جذب واختراق الفئة السلبية المتلقية المترقبة، وستقبل – بل عليها أن تقبل – بنتيجة المعركة بين طرفى المعادلة المتنافسين أو المتناحرين، وهما الطرف الذى خرج مطالبا بالتغيير، والطرف الذى خرج – إن خرج – مطالبا بعدم التغيير، أو على الأقل متبنيا رؤية النظام فى التعامل مع مطالب الفئة الأخرى المضادة، وأول وأهم معوقات التغيير التى تواجهها أى ثورة تتمثل فى الجهاز البيروقراطى للدولة، فالجهاز الإدارى للدولة بحكم تشكيله وتكوينه وتبعيته للدولة يميل إلى مقاومة التغيير لا باعتباره ممثلاً لثورة مضادة، أى: ثورة ضد أوضاع ناتجة عن ثورة أخرى، ومحاولة العودة إلى الوضع السائد قبل الثورة الأول، وإنما باعتباره نظام قائم على استقرار أوضاع وظيفية معينة يسعى كل عضو فيه إلى التشبث بها، ولذا فلا يتعين أن تتفاجأ إذا ما دفعتك المصادفة أو الحاجة إلى الاحتكاك بأحد العاملين داخل الجهاز الإدارى للدولة، حيث إنك لن تشم روائح التغيير الثورى داخل دواوين وأروقة الحكومة، وإنما ستشم روائح العطن والفساد الضاربة جذورها فى أطناب الجهاز، لأن فساد النظام أول ما يمتد إلى الجهاز الإدارى للدولة، صحيح أن السمكة تفسد من رأسها إلا أن هذا الفساد يمتد بلا ريب إلى بقية الجسد، ولا يصلح فساد الجسد بالاكتفاء بإزالة الرأس، والجهاز الإدارى للدولة فسد رأسه وجسده طوال العقود الماضية، فسد من حيث التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والرقابة، وفسد من حيث الإعداد والتدريب والتطوير ورفع مستوى المهارة للأفراد، وفسد من حيث التعيين والاختبار وقواعد الترقية واختيار القيادات الوسطى حيث لا كفاءة ولا فاعلية فى مستوى الأداء الخدمى أو الإنتاجى، وتخلف هذا الجهاز تشريعياً ولوائحياً باعتبار القوانين واللوائح هى ضوابط التشغيل ومرجعية القرارت الإدارية والأوامر المكتبية والتعليمات الشفهية التى تسير دولاب العمل داخل الجهاز الإدارى للدولة.
وبمناسبة الثورة المصرية نقول إن مصر فى حاجة إلى ثورة إدارية كتلك التى نادى بها ولم يفعلها الرئيس الراحل أنور السادات فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، حتى لا يصبح الجهاز الإدارى للدولة أحد أسباب أى انتكاسة ثورية محتملة
