«الطريق إلى جهنم ملىء بالنوايا الحسنة»، هكذا يمكن وصف الموقف الدولى تجاه الأزمة السورية، فبقراءة بسيطة لمعطيات وتحايل الأحداث موقف تلو الآخر، نلاحظ أن كل ما أثير حول النوايا الدولية لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، لم تمن إلا محاولة للضغط على النظام السورى، واقتياده مرغوما إلى جنيف 2، ليس فقط لجر النظام مرغما ومنهكا وبالتالى فرض كافة الشروط الدولية على هذا النظام، ولكن لإجبار الأسد الذى أصبح يستحق لقب «مجرم حرب»، وعن جدارة، ليس فقط لقتله آلاف المدنيين على مدار عامين ونصف العام، أو حتى فى المجزرة الأخيرة بعد توجيه اتهامات دولية له لا تحمل أى دليل واحد على استخدامه للسلاح الكيميائى أسقطت على إثرها 1429 قتيلا سوريا.
ولكن لخيانته لدول ساعدته وعملت على حماية النظام فى وجه الاحتجاجات السلمية فى أول الثورة السورية، ليبقوه على كرسى الحكم السورى، ليس لأنه خير سلف ولكن لولائه الدولى الأول، ولكن بعد خيانة الأسد لإسرائيل والسماح لحزب الله بتوجيه الضربات الموجعة جدا له، عبر الحدود اللبنانية السورية، وتلويحه باستخدام السلاح الكيمائى فى وجه الدول الأوروبية وإخراج سلاحه الأكثر قوة، وهو الجماعات المتطرفة فى وجه الولايات المتحدة إن لزم الأمر، أصبح التخلص من الأسد واجبا دوليا وأصبح الحديث باسم الضحايا المدنيين الآن فى سوريا، واجب إنسانى، تفرضه الأعراف الدولية والسماوية أيضا.
وبالعودة إلى الوراء قليلا، وقبل الحديث عن الحرب الكيميائية فى سوريا، تسعى منذ شهور الأمم المتحدة وواشنطن وموسكو لتنظيم مؤتمر دولى للسلام أطلق عليه اسم مؤتمر «جنيف 2»، يضم الأسرة الدولية حول النظام السورى والمعارضة السياسية والمسلحة، إلا أن روسيا والولايات المتحدة تتواجهان حول سوريا منذ اندلاع النزاع قبل سنتين ونصف السنة، وهذه المواجهة تشل مجلس الأمن الدولى وتمنعه من القيام بأى تحرك.
لذا كان لابد من إجبار النظام السورى إلى الحضور راكعا منهكا إلى هذا المؤتمر الدولى، بعض المحللين الدوليين أرجعوا فكرة إلصاق استخدام النظام السورى للسلاح الكيميائى أفضل حل، نظرا لأن جميع المواثيق الدولية، تحرم استخدام السلاح الكيميائى ضد المدنيين، أو حتى ضد الدول فى حالة الحرب، الأمر الذى ظهر فى البداية أنه حالة ذعر دولى طرأت على كل الدول العربية والغربية التى تسعى لحماية الشعب السورى، أولا، ومن ثم شعوبها من عذاب الخطر الكبير، الذى يوجه النظام السورى ضد شعبه _ دون وجود أى دليل بأن النظام السورى هو من استخدمه، وعلى الرغم من انتشار أنباء حول عقد الولايات المتحدة لصفقة سرية مع بعض قوى المعارضة وتسريب بعض السلاح الكيميائى الذى يعتبر من أكثر أنواع التجارة الرائجة لإلصاق التهمة فى النظام السورى، سارع قيادات الدول لتوجيه التهمة للنظام السورى، ولمزيد من تدعيم التهمة ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الخميس على موقعها الإلكترونى أن "مجموعة عسكرية تعمل فى سرية وتعرف باسم الوحدة «450»، تعكف منذ أشهر على نقل مخزون الأسلحة الكيميائية إلى مواقع متناثرة للمساعدة فى تفادى رصدها"، واتهمت تتهم الولايات المتحدة النظام السورى بارتكاب مجزرة بالأسلحة الكيميائية فى 21 أغسطس فى ضواحى دمشق أوقعت 1429 قتيلا بحسب الاستخبارات الأمريكية بينهم أكثر من «400» طفل.
من جانب آخر قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، إن تقريرا أمميا سيؤكد "بأغلبية ساحقة" على أن غازا ساما استخدم فى هجوم بضواحى دمشق الشهر الماضي. «1,400» شخصا، لكن بان لم يشر بأصبع الاتهام إلى أى جهة.
والآن وبعد العجز البريطانى، وتيرة التهديدات الإيرانية واليابانية، وأمام الرفض الروسى، لتوجيه أى ضربات عسكرية ضد نظام الأسد، ووقوف أمريكا حائرة ومن خلفها فرنسا التى كانت من أكثر المؤيدين لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة أو حتى مربكة للنظام السورى، ليأتى الحل الروسى كمفتاح سحرى ينقذ جميع الأطراف بوضع الترسانة الكيميائية لدى نظام بشار الأسد تحت الرقابة الدولية، ليعلن الجميع الموافقة الفورية فى حاله ثبوت حسن النوايا من الجانب الروسى والسورى، وقتها لجأت الولايات المتحدة للكونجرس لتأجيل توجيه الضربة العسكرية لسوريا، أملا فى تحقيق السلام على الأرض _ أو هكذا بأن لنا على السطح _، إلا أن اعتراف مسئولون كبار فى الإدارة الأمريكية جاء ليربك الحسابات من جديد، حيث اعترف البعض بأنه بسبب الرفض الروسى القاطع لصدور قرار باستخدام القوة العسكرية ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد، فإنه من غير الممكن أن يصدر مجلس الأمن قرارا كهذا، وحسب هؤلاء المسئولين فإن روسيا يمكن أن توافق على أشكال أخرى من الضغط على النظام السورى كفرض عقوبات عليه.
إلا أن توجه الولايات المتحدة الثابت، بتوجيه تهديدات من الحين والآخر لسوريا باستمرارها عاقدة النوايا لتوجيه ضربة عسكرية، رغم تأكيد الرئيس السورى بشار الأسد أن بلاده ستضع أسلحتها الكيميائية تحت إشراف دولى استجابة للمقترح الروسى فضلا عن حديث المتحدث باسم الخارجية الفرنسية "فيليبى لاليوت" أنّ انضمام سوريا إلى "معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية" غير كاف، يعد مؤشرا هاما بوجود نوايا دولية خفية وراء تلك التهديدات، خاصة مع تكثيف المباحثات الدولية حول إعادة التفكير بل والتأكيد على الرغبة فى عقد مؤتمر «جينيف 2»، حيث بدأ وزيرا الخارجية الأمريكى جون كيرى والروسى سيرجى لافروف مباحثات فى جنيف حول هذه المبادرة، وتواصلت المحادثات بين الوزيرين حتى مساء الجمعة وستستكمل صباح السبت، وتتناول المحادثات التى يتوقع أن تستمر ليومين ويشارك فيها خبراء فى نزع الأسلحة، طريقة وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت مراقبة دولية، فى مبادرة أطلقتها الاثنين موسكو وأبعدت على ما يبدو التهديد بشن ضربات غربية ضد نظام دمشق.
ليأتى تصريح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيرى، اليوم، كحد فاصل يوضح إما انضمام سوريا لمؤتمر « جينيف 2» أو الحرب، حيث قال أن أميركا وروسيا توصلتا إلى اتفاق على آلية للتخلص من أسلحة سوريا الكيماوية، وشدد على اتخاذ إجراءات قوية لتدمير أسلحة الأسد الكيماوية، مطالباً سوريا بتقديم قائمة بأسلحتها الكيماوية خلال الأسبوع، موضحاً أن هذا العمل سيكون وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذى يجيز استخدام القوة.
وقد عقد الأعضاء الخمسة الدائمون فى مجلس الأمن «الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين »، اجتماعا الأربعاء استمر 45 دقيقة فى مقر البعثة الروسية فى الأمم المتحدة فى نيويورك بدون التوصل إلى اتفاق حول مسودة قرار يهدف إلى تدمير الأسلحة الكيميائية السورية. وفى اسطنبول، قال رئيس الوزراء التركى رجب طيب اردوغان أن الهدف الوحيد للنظام السورى بشان ملف السلاح الكيميائى هو "كسب الوقت" لارتكاب "مجازر جديدة". كذلك دعا البرلمان الأوروبى المجتمع الدولى إلى رد واضح، قوي، محدد ومشترك على الهجمات الكيميائية فى سوريا "بدون استبعاد احتمال اتخاذ تدابير رادعة"، كما طالب الاتحاد الأوروبى "بموقف موحد ومتماسك". من جهتها أكدت المفوضة الأوروبية للتعاون الدولى والمساعدة الإنسانية كريستالينا جورجيفا الخميس فى جنيف أن القوات الحكومية السورية ارتكبت جرائم حرب بمصادرتها معدات طبية من قوافل مساعدات مخصصة للمناطق التى تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
وأفاد دبلوماسيون روس وأمريكيون بأن الجانبين يقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن ترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية فيما تدخل المباحثات فى جنيف يومها الثالث ،وفى جنيف سيواصل كيرى تقصى السبيل الدبلوماسى لمحاولة تسوية النزاع فى سوريا، وفى هذا السياق سوف يلتقى الموفد الخاص للجامعة العربية والأمم المتحدة لسوريا الأخضر الإبراهيمى.
وفى باريس، أعلن وزير الخارجية الفرنسى « لوران فابيوس » الخميس أن تقرير مفتشى الأمم المتحدة حول استخدام الأسلحة الكيميائية فى سوريا سينشر الاثنين على الأرجح، وأوضح فابيوس أنه من البديهى أن يقول التقرير وقوع مجزرة كيميائية، وستكون هناك بالتأكيد مؤشرات، إلى مصدر هذه المجزرة التى جرت فى 21 أغسطس فى ريف دمشق وأوقعت مئات القتلى.
الطريق إلى «جنيف 2».. استمرار تهديد الولايات المتحدة بشن حرب على سوريا.. وتدعيم فرنسا وبريطانيا، خطوات دولية ثابتة لعقد «جينيف 2» بحضور النظام السورى مجبرا
السبت، 14 سبتمبر 2013 04:20 م