هى لحظة تدرك فيها بأن هذا الشخص كان لك شىء عظيم، ولكنه رحل إلى عالمٍ آخر أنت لا تدرك معانيه وقد تدركها بعد عمر طال أو قصر، ولكنه سيفنى وعندها سترحل أنت أيضا وأنت لا تدرى إن كان هناك من يقتله رحيلك.
فها أنت أيضا قد رحلت وحملوك فى نعشك، تنظر إلى الوجوه من حولك تتأمل فيها صدق الحزن إن وجد، ودموعاً مخلصة لا تكل من الإمطار من قلوب أدركت فى لحظة رحيلك كم كانت تربطها بك خيوط خفية لا لون لها، لذا فلم تروها قبل ذلك بوضوح، ولكنها الآن قد تلونت بلون الأسى، وتبقى الحقيقة بأن تلك الخيوط ستخلد فى الحياة، ولن تفارقها معك.
يحملون النعش ويتسابقون فى الوصول إليه، وتأخذك حيرتك فيما إن كانوا يتسابقون إلى جزاء عظيم وعدهم به خالقك أم يتسابقون إليك فى أن يشاركوك لحظاتك الأخيرة، فإن كان سباقهم إلى الجزاء فأنت الآن تدرك كم هم فى حاجة إليه، وإن كانوا يتسابقون إليك فلعلهم يدركون بأنك لا تتسابق إليهم الآن، وبالرغم من جهلك لما هو قادم إليك، وعدم درايتك بما أنت مقبل عليه لكنك لن تعود وإن وهبك الله العودة فسترجوه ألا يفعل، فرحيلك هو أصدق ما صادفك فى الحياة وكأن أى شىء رأيته من قبل لهو بكذب.
بالأمس قد زهدت أشياء كثيرة، أتذكر تلك الوجوه التى كنت تعشق رؤيتهم؟ لماذا لم تحرص على أن تشبع عينيك من رؤياهم، أتذكر تلك الأماكن التى كان يربطك بها حنين قلبك إليها؟ لماذا لم تحرص على لحظات أخيرة بها؟ فقد لا تستطع العودة إليها مرة أخرى وقد لا تحن إلى ما اعتدت الحنين إليه.
أتذكر هؤلاء الأشخاص الذين كانوا آخر ما بقى لك من عشق الحياة؟ لماذا لم تودعهم وداعا صادق؟ لماذا لم تترك لهم شيئا منك؟ أحقا لم تكن لديك الرغبة فى وداعهم؟ أم إنك لم يكن بحسبانك هذا اليوم الذى تفارقهم فيه رغما عنك وعنهم.
ها هو صديق لك لم يلبى آخر نداء منك.. يومها حاولت مرارا وتكرارا أن تستعيد حبال الوصال به، ولكنه كان لديه إصرار رهيب على أن يقتل كل ذكريات المحبة بينكم، كنت تتذكر أيام الصِبا بينكم، وابتسامة صادقة تتفنن فى الظهور على وجوهكم وهى لا تدرك من منكم كان مصدرها وفى حقيقة الأمر أن تلك الابتسامة كان لها مصدر دائم لا يتغير وهو الصدق فى رغبة العطاء من بحور السعادة التى لم تكن تجف من قلوبكم النقية يومها، ما زلت تتساءل عما حدث لتلك القلوب وكيف كبلها ظلام الفرقة بلا أسباب مقنعة؟، فغيبت قلوبكم عن الحب بصدق وعن العطاء بصدق وعن الصداقة بصدق فناديت صديقك العزيز ولم يستجب لك، وأنت اليوم تنظر إلى دموعه ولا تدرى إن كان نادم على ما حدث بينكم من جفاء أم أنه ينهى دوره بحرفية الواقع القبيح الذى سيطر على هذا الزمان.
وهناك فى قلب الزحام شخصا يتحدث معك بلغة هى كلمات صادقة لن يفهمها من الحاضرين أحداً دونكم، يخبرك بأشياء أنت تدركها جيدا وتعلم بصدقها، ولكنك كنت تحتاج أن تستمع إلى تلك الكلمات من قبل فلا معنى لها الآن، وعليه أن يدرك أن لكل زمان كلمات ولغات يفهمها اليوم ولن يفهمها غدا وإن كانت ذات جدوى كبيرة بالأمس.
ولكن دعك من كل هؤلاء، فهناك فى أرض بعيدة عن الرؤى وعن الزحام صديق مخلص يبكى من داخل أعماق قلبه دون أن يراه أحد بلا دموع ولا صراخ ويدعو لك بصدق.
سيودعونك فى النهاية بعد أن يغمروك بالتراب وآخر ما ستراه منهم هو ظهورهم لك عند الرحيل وآخر ما فعلته أنت هو أن رحلت.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة