على حسن السعدنى يكتب: شواطئ الغربة

تختلف نظرة الإنسان كثيرا ويرى وطنه من بعيد من منظور أعلى فتتكشف له حقائق بسيطة كانت غائبة عنه ولكنها تشكل قوام الحياة المؤلم هذه الأيام. إن أبناء مصر أصبحوا يجدون فى البحث عن فرص خارج وطنهم قد تكلفهم حياتهم نفسها تسللا على شواطئ الغربة. ضاق بنا الوطن حتى أصبحت الغربة لنا وطن.

أمل أى شاب فى مصر الآن هو السفر والهجرة، ملايين تقطن الخليج العربى وآلاف تتقدم يوميا للهجرة فى سفارات كندا واستراليا وأمريكا ومئات تدفع كل ما تملك للسفر غير الشرعى لشواطئ أوروبا فى إيطاليا واليونان وقبرص ومالطا وأسبانيا متحدين كل الأخطار حتى الموت عندما تجد بلدا يوفر لك الاحترام لشخصك والتقدير لكفاءتك وخبرتك، والأهم الاكتفاء المادى فيشعرك أنك قادر على تولى مسئولية نفسك وأهلك بثقة وقادر على مساعدة غيرك، وتبدأ فى تحقيق بعض أحلامك وأمانيك، هنا يتعاظم الشعور بالرجولة ويتضاءل إحساس العجز الذى غمرك حتى أذنيك فى الوطن الحبيب، عندها يتغير مفهوم الشباب كثيرا عن الوطن تغير الخليج كثيرا، غيره المال، تجد أن ثقافة الاستهلاك زادت به وأصبح أكثر رفاهية، انتشرت المجمعات الكبرى وبها من الإبرة للصاروخ، وتتعجب عندما تجد شعب الخليج قد ودع حياة البداوة الجافة المليئة بالحركة والترحال إلى حياة الرفاهية المطلقة أما الأجانب فلهم حياة أخرى، تنوع ثرى من الثقافات والجاليات الملاحظ أن هناك اختلافا كبيرا بين ثقافة الخليج العربى وعاداته وبين باقى الشعوب بشكل عام بما فيها العربية، والملاحظ أيضا أن الجاليات تتحد فى الغربة لتخلق جوا مشابه لوطنها وأكثر الجاليات ترابطا هى الجالية السودانية، مما أثار إعجابى حقا فمن الصعب أن تجد شابا سودانيا أعزب يأكل وحده فى رمضان أو غيره، دائما هناك بيتا سودانيا يكفله ودائما التجمعات فى ولائم وجلسات وهى مائدة واحدة تجمع المصريين والسودانيين والسوريين والفلسطينيين والتوانسة.

إن الوحدة العربية سهلة على موائد الطعام، ولكن يبدو أنها تواجه أزمة على كراسى الحكم المؤسف أن اقل الجاليات العربية ترابطا فى الخارج هى الجالية المصرية، يتعامل المصريون وكأنهم يتهربون من كل ما هو مصرى أو يذكرهم بمصر، الشعور الدائم أن أى مصرى يطلب مساعدتك فهو يخطط لشىء ما لا يخلو من نصب، يبدوا أن الضغط المتواصل فى مصر والخوف على لقمة العيش والإجهاد المضنى فى سبيلها افقد المصريين روح التعاون فى الخارج إلا من نوادر هنا وهناك، وهذا موضوع يحتاج إلى دراسة اجتماعية.. ما الذى يحدث لنا.. نتغرب عن أرضنا.. ثم نتغرب عن شعبنا.. لم يبق سوى أن نتغرب عن أنفسنا.