أثار قرار وزير المالية الدكتور أحمد جلال، بتشكيل لجنة من قيادات الوزارة للنظر فى طلبات التصالح بقضايا التهرب الجمركى والضريبى فى عدد من الحالات التى تشمل المخدرات والسلاح وأجهزة التصنت والآثار، ردود فعل واسعة، فى الوقت الذى حاولنا فيه الاتصال بوزير المالية إلا أنه لا يرد على هاتفه المحمول.
والمفاجأة كانت فى عدم معرفة قيادات مصلحة الجمارك من المعنيين بالقرار، وقال مسئول بالمصلحة طلب عدم ذكر اسمه، أن هذا القرار لم يعرف به سوى من اليوم السابع، وأنه سيتسبب فى كثير من البلبلة.
وأشار المصدر إلى أنه من الناحية القانونية فإن قانون الجمارك أعطى لوزير المالية حق التصالح فى قضايا التهرب الجمركى، دون الإخلال بأى عقوبة أشد بقانون آخر طبقا للمادة 122 من قانون الجمارك، وهو ما يعنى أحقية الوزير فى النظر بطلب التصالح فى الشق الجمركى، ولكنه لا يملك التصالح فى الشق الجنائى.
وأوضح المصدر أنه بأى حال من الأحوال، من غير المقبول التصالح مع مهربى المخدرات والسلاح والآثار كما جاء بالقرار، داعيا لضرورة تعديل القانون ليحجب الصلاحية عن وزير المالية فى التصالح بأى قضية تمس الأمن القومى أو صحة الإنسان، فما بالنا بالسلع الممنوعة مثل المخدرات والسلاح، مطالبا بإعادة النظر فى القرار.
وأكد المصدر أن هذا القرار قد يقصد وزير المالية من ورائه محاولة زيادة الموارد المالية من خلال غرامات التصالح، ولكن لن يتحقق هذا فعليا لأنه على سبيل المثال إذا ثبتت الأدلة على تاجر مخدرات، وصدر بحقه حكما قضائيا، فما يفيد التاجر بالتصالح مع وزارة المالية فى قضية التهريب الجمركى إذا كان سيعدم شنقا أو يسجن مدى الحياة، وهو مثار التساؤل.
وينص قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 فى الفقرة الأولى من المادة 122 الخاصة بالتهريب: "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب على التهريب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيها ولا تجاوز 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما يعاقب على حيازة البضائع المهربة بقصد الاتجار، مع العلم بأنها مهربة بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه".
من جانبها رفضت قيادات وزارة الدولة لشئون الآثار القرار الذى أصدره وزير المالية بالمصالحة الجمركية مع المهربين، معتبرا إياه قرارا عبثيا لا يمكن تطبيقه، كما أنه لا يمكن أن يلغى قانون حماية الآثار الذى ينص على ضرورة معاقبة كل من يحاول تهريب الآثار بالغرامة والسجن، وفقا لحجم الآثار التى يحاول تهريبها، وذلك بعد مصادرتها.
الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى أمين وصف قرار وزير المالية بالعبث متسائلا: كيف أترك مهرب آثار حرا مقابل التصالح معه وتغريمه بعض الأموال؟ موضحا أن هذا يمكن أن يحدث إن كان ما يتم تهريبه ملكية خاصة لشخص، هنا يمكن له أن يتصالح أو يتنازل أو يتعامل بالطريقة التى يريدها، لكن فى حالات الملكية العامة كالآثار لا يمكن التصالح؛ لأن ما يتم تهريبه هو تراث وثقافة وتاريخ شعب بأكمله، فإن أراد أحد وضع قانون يقضى بالتصالح عليه أن يحصل على موافقة كتابية من كل أفراد الشعب المصرى بالموافقة.
وأضاف أمين الآثار لديها قانونها الخاص الذى ينظم التعامل مع مهربى الآثار وكل من يحاول العبث بها وأنها لن تتعامل إلا مع هذا القانون الذى بموجبه يتم مصادرة الآثار من المهرب بعد ضبطها وتغريمه ماليا مع سجنه مدة تتراوح ما بين خمسة إلى خمسة وعشرين عاما حسب كمية الآثار المهربة وقيمتها.
كما رفض الدكتور محمد عبد المقصود نائب رئيس قطاع الآثار المصرية، هذا القرار معتبره تنازل رخيص عن تاريخ وتراث البلد، موضحا أنه على وزارة المالية أن تأخذ فى اعتبارها قبل تقديم أى مقترح يخص الآثار تريد من خلاله الحصول عل أموال، أن هذه الآثار ليست مصدر دخل للبلد فقط، لكنها تاريخ وتراث بلد قيمته لا تقدر بثمن، ويجب الحفاظ عليه لا التنازل أو تقييمه ماديا، أو التصالح مع من يعبث به، لأنه ليس ملكا لوزارة الآثار أو المالية أو غيرهما، وإنما هى ملك للبلد ولشعب مصر بأكمله والحكومة مجرد راعية له وليست مالكة.
من جانبه استنكر اللواء عاطف الفقى مستشار وزير المالية الأسبق للتكنولوجيا والمسئول السابق عن ملف الجمارك بالوزارة، صدور مثل هذا القرار واصفا إياه بـ"الهزلى".
وقال الفقى، إن الحالات التى نص القرار على النظر فى طلبات التصالح فيها لا يمكن أن تكون محل تصالح من الأساس؛ لأن جميعها تمس الأمن القومى المصرى، كما أنها لن تحقق أى زيادة فى الدخل الجمركى، وشدد على أن التصالح لا يجب أن يتم إلا فى القضايا التى يثبت فيه السهو أو الخطأ، وليس التهريب عن قصد أو تعمد.
محمد شوقى مستخلص جمركى بالإسكندرية، قال: "لم تحدث فى تاريخ الجمارك المصرية أن تصالح أى وزير مالية مع مهرب مخدرات، رغم أن هذا من حق الوزير قانونا بالنسبة للشق المالى وليس الجنائى".
وأشار شوقى إلى أن التصالح فى هذه القضايا محدد بقضية التهريب من الجمرك، ولا ينسحب على العقوبة الجنائية، ولكن فى كل الأحوال ليس من المقبول التصالح مع مهربى المخدرات والسلاح والآثار وأجهزة التنصت، والتى تضر الأمن القومى لمصر، لافتا إلى أن القرار سيثير الكثير من البلبلة بالجمرك.
وكان "اليوم السابع" قد انفرد بنشر قرار وزير المالية برقم 405 لسنة 2013، ينص على تشكيل لجنة من عدد من قيادات الوزارة لنظر طلبات التصالح فى قضايا التهريب الجمركى والضريبى بعدد من الحالات، والتى تتضمن المخدرات والسلاح والآثار وأجهزة التنصت والبث التليفزيونى.
أصداء قرار "المالية" بالتصالح مع مهربى المخدرات والآثار والسلاح.. الجمارك:غير مقبول ولابد من إعادة النظر فيه.. والآثار:قرار عبثى وجريمة فى حق الشعب.. وخبراء:سابقة فى تاريخ الجمارك ولن يحقق موارد مالية
الجمعة، 13 سبتمبر 2013 04:11 م