أحمد محمود عبد الحميد يكتب: حين يصمت القلب

الجمعة، 13 سبتمبر 2013 09:29 م
أحمد محمود عبد الحميد يكتب: حين يصمت القلب أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شعور غريب وبلاء عجيب، سعادة محفوفة بالأحزان، ونبض قلب وجدان، إطراق فأرق، إيلام الرأس لمن فى التفكير غرق، ضرب من الإحصاء والاحتمالات، هيام واستنشاق..

حين تتوقف عجلة حياتك الدائرة عند حدث واحد، فلا ترى أعظم منه حدثا، بل يهون عليك كل أمر مهما استعظمه الناس، إلا هذا الأمر.

حين تدور فى البلدان هائما متجهما شريدا لا وطن لك. حين تشعر أن فؤادك يكاد يطير فينفلج من صدرك أو يبعث فى سائر الجسد وقودا عجيبا فيهيم على وجهه فى الأرض محزونا آسفا، غير مكترث لأمر سوى ما ابتلاه الله به. حين يستحيل فراغك إلى شغل دائم، وصوتك المقبل على الحياة إلى أجراس قلعة عتيقة أو أصداء أحلام أو أنين غلام.

حين تحيا تائها داخل نفسك وفى بيتك بين أهلك، فلا ترى أو تسمع، بل تستعذب سكون الليل وصمت القبور. كأنك فى طور من أطوار الموت.

حال متقلبة هى لمن لا يفقهها أو أعراض مرض نادر لطبيب غير حاذق إن شخصها. أى بلاء هذا وأى تعب هذا وأى أرق هذا، وأى نوع من أنواع الأمراض الفتاكة هذا، وأى طور من أطوار الموت؟!.

ثم تزول كل تلك الأعراض وتنقلب الحال إذا سمعت صوت الحبيب أو رأيت صورة الحبيب، فيسكن القلب الولهان إلى من ألف، وتسعد النفس ويرتاح الجسد.

وهى من هى؟ هى من نبض القلب باسمها، فتدفقت دماؤه، تحمل كل خلية من خلاياه حبها. هى من اختلجت النفس واضطرب الجسد إذا ما استشعرا ضياعها أو أنها تقابل حبهما لها بغضا، وترى اهتماما بأمرها تتطفلا، ويحمر وجهها خجلا إذا ما خاطبتها، وكم أكره أن أكون سببا فى ذلك الشعور بالبغض أو الخجل أو التطفل..

فيفضل المرء لوعة الفراق على لوعة القرب واللقاء وهو فى كليهما ملتاع وجدان محزون آسفا. وهكذا يفضل المرء أن يبقى فى ركن بعيد فى متاهات العالم لا يدرى أحد عنه شيئا ولا يدرى هو شيئا عن أحد إلا هى وهى فقط وهى لا غيرها. يفضل ذلك وينسى كل الأحباب خشية أن تظهر له بغضا أو مللا منه أو استحماقا.

تتثاقل على صدره الهموم وتستعظم أمام عينيه الغيوم. فيستظل برعد الظلام وحفيف الأيام فى ألم وحزن متصلين لا ينقطعان، رغم محاولاته المتكررة لإلهاء ذلك القلب وإخراجه مما فيه، لكنها محاولات فاشلة خداعة لا ينخدع بها قلب صادق فى شعوره وإحساسه.

كلما أحاطت به ظلمات الليالى يدخل فى أطوار الموت هذه، موت جسد وصمت قلب منتفض لا يملك إلا هذا الصمت الرهيب وهذا التيه فى غياهب الأحزان السحيقة. وماذا عساه أن يفعل وقد عجز لسانه عن أن ينطق أو يلفظ بأى كلمة من كلمات الإعجاب فضلا عن الحب، لأنه يرى فى ذلك تجرؤا واندفاعا وتعديا سافرا فيلجم لسانه إلجاما خشية مساءلة الحبيب.

وما كان هذا الشعور إلا من مساءلة نفسه إياه: أين هو من ملكية النجوم وأميرة الأحلام ووريثة عرش الآمال وسيدة قصر الخيال. فلتحيا يا صاح إذا فى أحلامك هذه، أميرا على جواده المطهم وقد اعتلى جبل الآمال والأمانى؟ ثم ألقى به خياله وزعمه فى أودية الأحزان بعد أن عرج به لأزهى وأمتع الجنان. فمات صريع الحب، موت العاشق الولهان تشيعه نجوم السماء وصبايا الأنغام إلى مثواه من بين الأنام.

فلترعى الحبيبة آمالها وتسعد بأيامها كطفلة تلهو وتلعب لا تدرى بشىء من هذا أو لعلها تدرى، ولتسعدى أيتها الحبيبة ولتنعمى كما شئتى بأيامك وحياتك، أما هو فسيبقى على العهد محبا، وقد ملكتى قلبه لاهية به لاعبة، سيبقى قلبه فى صمت الآلام لعل له تسلية فى تقلب الناس وتبدلهم وتطاول الأيام وتحولها.

رحمك الله يا صاحبى وقد شيعتك مؤبنا بدموع ما حسبت أنى أزرفها يوما لموتك هذا، وما خلت قط أن يومك قبل يومى، لكنه كان، ولله الأمر من قبل ومن بعد..





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة