يخوض الرئيس الأمريكى باراك أوباما معركة، هى الأعنف، حتى الآن منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض، فالرئيس الذى انتخبه الأمريكيون لينهى حربا كلفتهم الكثير فى العراق على وشك أن يبدأ حرب جديدة على سوريا ردا على مزاعم استخدام رئيسها بشار الأسد أسلحة كيماوية فى هجوم قرب دمشق أودى بحياة المئات.
ربما كانت هناك معارك داخلية شرسة واجهت أوباما مثل ما يتعلق بمشروع الرعاية الصحية فى فترته الرئاسية الأولى الذى وجد فيه معارضة شرسة من الجمهوريين، لكن فى القضية السورية يواجه مأزق الرئيس أن حتى بعض نواب حزبه مترددون فى دعمه.
فقدت ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضى أن أعضاء الكونجرس الأمريكى من الديمقراطيين، الممزقين حول اشتراك الولايات المتحدة فى حرب أخرى لا يمكن التنبؤ بها فى الشرق الأوسط، يمثلون عائقاً رئيسياً أمام خطة الرئيس باراك أوباما لضرب سوريا.
فالعديد من المؤيدين الأساسيين لأوباما، لاسيما الأمريكيون من أصل أفريقى وأعضاء الجناح الليبرالى فى الحزب الديمقراطى الذين صوتوا مرارا ضد حربى العراق وأفغانستان، يعبرون عن أشد التحفظات.
ومع إبداء أعضاء الحزب الجمهورى فى مجلس النواب ميلا إلى دعم أوباما فى القضية التى يخاطر فيها بمصداقيته السياسية، فإن عشرات من الأصوات الديمقراطية مطلوبة لو تم إجازة استخدام القوة ضد سوريا فى مجلس النواب.
ويقول الديمقراطيون، إنهم يواجهون خياراً صعباً، فإما معارضة رغبات الرئيس الذى يحظى بشعبية واحترام فى مؤتمراتهم الحزبية، أو تحدى الناخبين فى دوائرهم الذين يعارضون بشدة أى تدخل عسكرى أمريكى آخر فى الخارج.
ويزيد من صعوبة الخيار ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الخميس الماضى، من تقرير يكشف عن مدى وحشية المعارضة السورية التى تفرض معضلة فى الغرب كله، وخاصة الولايات المتحدة التى تقود الجهود الدولية لشن عمل عسكرى ضد سوريا.
حيث تحدثت الصحيفة عن مشهد للمعارضين السوريين وهم يقفون بجوار سجنائهم والأسلحة تشير إلى هؤلاء الرجال المذعورين المجردين من قمصانهم. هؤلاء السجناء السبعة كانوا جميعا جنود فى الجيش النظامى، خمسة منهم تم تقييدهم، وظهرت على ظهورهم البقع الحمراء، وظلت وجوههم فى التراب، بينما كان قائد المعارضة يتلو آية قرآنية تتحدث عن الانتقام من صحبة الفساد. ثم قام قائد المعارضة، بإطلاق الرصاص على أول جندى فى مؤخرة رأسه، وتبعه أتباعه الذين أطلقوا الرصاص على الجنود السبعة وقتلوهم جميعا.
هذا المشهد تم توثيقه فى شريط فيديو وتم تهريبه خارج سوريا قبل عدة أيام من قبل معارض سابق أصابه الاشمئزاز من عمليات القتل، ويقدم الفيديو نظرة قاتمة على كيفية تبنى المعارضة أساليب وحشية لا رحمة فيها مثل تلك التى يستخدمها النظام الذى يحاولون الإطاحة به. وذكر الفيديو بلغز السياسة الخارجية الذى تواجهه الولايات المتحدة فى التحالف مع المعارضة، فى الوقت الذى يصر فيه بعض نواب الكونجرس مثل السيناتور الجمهورى البارز جون ماكين على تقديم الدعم العسكرى للمعارضة السورية.
وفى ظل أجواء التشكك هذه، يواصل أوباما حملة ضغط عامة وسرية مكثفة هذا الأسبوع من أجل الحصول على دعم الكونجرس لضربة صاروخية محدودة ضد سوريا، لكن حتى أقوى المؤيدين لموقفه فى الكونجرس يشعرون بالتشاؤم إزاء إمكانية نجاح البيت الأبيض.
ويخطط أوباما للقاء أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطى، وبعدها سيراه ملايين الأمريكيين يدافع عن قضيته فى عدم لقاءات تليفزيونية، إلى جانب خطاب يلقيه من البيت الأبيض غدا الثلاثاء، والذى سيقول من خلاله، حسبما أفاد أحد مسئولى الإدارة الأمريكية، إن عدم معاقبة الرئيس السورى بشار الأسد على استخدامه المزعوم للأسلحة الكيماوية قد يعزز من قوة نظامه وحلفائه حزب الله وإيران.
ووراء الكواليس، انضم أوباما إلى نائبه جو بايدن فى عشاء مع عشرة من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين فى مقر إقامة نائب الرئيس، فى حين قام مسئولون آخرون بإدارته بإجراء اجتماعات مغلقة مع مجلس النواب، وهو استمرار لما وصفه مسئولون بالبيت الأبيض بأنها محاولة لكسب النواب المتشككين فى الكونجرس من كلا الحزبين، لكن العديد من المؤيدين بشدة لضرب سوريا قالوا إن المحاولة ربما تكون صغيرة للغاية ومتأخرة جدا، وتأتى بعدما استمع المشرعون الأمريكيون لمعارضة كاسحة من ناخبيهم، ولم يطلعوا بشكل موسع على المعلومات السرية التى تمثل أساس الحجج التى تدفع بها الإدارة الأمريكية.
وقال النائب الديمقراطى كريس فان هولين، الذى يؤيد العمل العسكرى إن هناك سؤالا اليوم بشأنه ما سيفعله البيت الأبيض، فالتحدى الحقيقى أن أعضاء الكونجرس انتشروا فى جميع أنحاء البلاد. وكان اثنان من مؤيدى موقف أوباما من الجمهوريين قد استغلوا لقاءات تليفزيونية لهما أمس لانتقاد البيت الأبيض على ما وصفوفه جهود ضغط تفتقر للكفاءة، واستراتيجية مشوشة بشأن سوريا تعود إلى بداية الحرب الأهلية فيها.
ويظل هناك آمال معلقة على الخطاب المرتقب لأوباما الذى يتوجه فيه للشعب الأمريكى محاولا حشد الدعم لموقفه قبل تصويت الكونجرس الذى لا يستطيع أحد الجزم بنتائجهن وهل ستكون هناك مفاجئة مثلما فعل البرلمان البريطانى برفضه مشاركة لندن فى الضربة العسكرية، أما أنه سيدعم فى النهاية أوباما ليبدأ حربا يخشى كثيرون أنها ستكون حربا عالمية ثالثة.
سوريا المعركة الأشد شراسة لأوباما منذ وصوله للبيت الأبيض.. الرئيس يواجه شكوكا من أغلب أعضاء الكونجرس.. والديمقراطيون أمام خيار صعب بين دعم رئيسهم أو تأييد موقف ناخبيهم الرافض للحرب
الخميس، 12 سبتمبر 2013 10:47 ص
الرئيس الأمريكى باراك أوباما