الديمقراطية فلسفة متكاملة وليست مجرد الذهاب إلى الصناديق مثلما يعتقد البعض ويصبح عندها عبدا لهذا الصندوق، وهذه الفلسفة المتكاملة لم يتوصل لها العالم إلا بعد مسار ومخاض طويل، ولم يتوصل إليها العالم المتقدم إلا بعدما مر بحروب أهلية وعالمية وعانى من التقسيم على أساس عرقى وطائفى وفشت بينهم العنصرية التى استمرت حتى الستينات من القرن الماضى ضد السود فى الولايات المتحدة.
فواجه العالم المتقدم أم المعارك بكيفية تفكيك العصبيات والعنصرية فكانت جوهر فلسفة الديمقراطية لذلك لا نستطيع أن نقول إن المجتمع ديمقراطى بمجرد وضع ورقة انتخابه فى الصندوق أو ما تسمى ببطاقة الاقتراع، بينما الديمقراطية الحقة تمنع استخدام الأفكار الطائفية والعنصرية ولا يمكن تسمية المجتمع بالمجتمع الديمقراطى إلا إذا تجاوز مرحلة الطائفية والعنصرية.
بالطبع لم تنته هذه المرحلة فى العالم المتقدم إلا بعدما عانى معركة ضروسا إنه التوحيد على أساس فلسفة حقوق الإنسان المتساوية بعيدا عن تأليه أحد من البشر أو إعطائه عصمة من دون البشر، أى توصل العالم المتقدم إلى أسس قواعد المساواة بين البشر التى أتى به ديننا الإسلامى الحنيف وتخلى العرب والمسلمون اليوم عن هذه الروح وعن هذه الفلسفة والمبادئ التى تبناها الغرب، وتخلى عنها المسلمون نتيجة صراعات سياسية من أجل الاستئثار بحقوق تفوق حقوق الآخرين بدعم غربى ودولى.
فالولايات المتحدة لا ترى تطبيق الديمقراطية فى الدول العربية ضمن فلسفة متكاملة للديمقراطية، وإنما تراها بعين ارتباطها بالمصالح الأمريكية وفق حسابات أمريكية وهناك تحول استراتيجى فى طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الديمقراطية فى منطقة الشرق الأوسط مع الإسلاميين، لتتحول من الحرب على الإرهاب التى تسببت فى ديون هائلة نتيجة هذه الحرب إلى تحمل الإسلاميين مواجهة التطرف الإسلامى نيابة عن الولايات المتحدة الذى ثبت لدى الولايات المتحدة فشل الأنظمة العربية فى التصدى للتطرف الإسلامى، وفق المنظور الأمريكى فاستثمرت الثورات العربية أحسن استثمار وأحسن استغلال عندما وجدت التيارات الإسلامية جاهزة ولديها قاعدة شعبية عريضة لا تمتلكها بقية التيارات الأخرى.
وترى الولايات المتحدة أن لديها قناعة بأن تيارات الإسلام السياسى التركيبة المناسبة للحالة العربية وهى بقصد تحقيق هدفين فى آن واحد، وهو ترويض لتيارات الإسلام السياسى والثانى ضرب التطرف الإسلامى وأعطى هذا دعم الإخوان فى مصر شرعية دولية، بجانب شرعية الصناديق خصوصا بعدما أثبت الإخوان نجاحهم فى الاختبار الدولى المتمثل فى أزمة غزة وكان موقف مرسى فاق كل التوقعات فنجح مرسى خارجيا، ولم ينجح محليا ووجدت الولايات المتحدة أن ضابط إيقاع الأكثرية منطلق لترسيخ الديمقراطية فى المنطقة العربية، وهى ديمقراطية مفصلة بالكامل لفصيل سياسى شمولى يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات ما بين الولايات المتحدة والإسلام السياسى.
وهناك تحولات جيوستراتيجية فى سياق الثورات العربية فهى بين مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة وبين غرور إيران بقوتها وبين الاستعلاء التركى الذين يحاولون فرض أجندتهم فى ظل ثورات الربيع العربى، التى لا زالت تعانى التوتر وغموض مستقبلها ولا أحد آمن فى ظل نظم تعتمد على انعدام الأمن بسبب تقديم منهج الأنا على مصلحة الآخرين باسم الدين أو الحزب أو غيره، فيتمزق المجتمع لأن القيادات ترفض النزول من أبراج الوهم والدعم الدولى.
فلا زالت ثورات الربيع العربى تخرج ديمقراطيين يفضلون الأخذ بمنهج الإعدام السياسى للآخر لا الاكتفاء بالإقصاء حتى ولو كانت التضحية باستقرار الوطن ومستقبله ما دامت تزج هذه المجموعات بالدين لفرض رؤاها على المجتمع وعلى بقية السياسيين، ولم تنتج الثورات العربية سوى ديمقراطيين ينتمون فكرا إلى مدارس خمسينات القرن الماضى فلا يزالون بحاجة إلى تعلم معنى القبول بالآخر والتعايش معه لتصل إلى مفهوم فلسفة الديمقراطية المتكامل رغم ما يعتريها من عيوب يعترف بها الغرب ولا يمكن تناول الديمقراطية بمعزل عن قوة الدولة القادرة على إنقاذ قوانينها لحماية مواطنيها وإتاحة قدر أكبر من الحرية لهم.
د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: الديمقراطية فى الشرق الأوسط بعيون أمريكية
الأربعاء، 11 سبتمبر 2013 03:27 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة