ما إن قابلته حتى رأيت على وجهه علامات لا تدل أنه فى قمة السعادة التى يشعر بها غيره فى هذه اللحظة كفائز بأسمى منصب يتطلع إليه كل راغب فى رئاسة دولة كبيرة كمصر، فاقتربت منه وحييته وقلت له: ماذا بك يا سيادة الرئيس؟ ألست فرحا بفوزك برئاسة مصر؟ فرد على قائلا: كنت أظن أنى سأكون أسعد إنسان فى الكون عندما يتم إعلان فوزى بالرئاسة، لكن الآن وقد أصبحت رئيسا لمصر أشعر بشعور غريب لم أعهده من قبل، فقد أصبحت مسئولا عن قرابة مائة مليون نفس سوف أُسأل عنهم أمام الله عز وجل، علىّ أن أوفر لهم المأكل والمشرب والمسكن وأكون خادما لهم.. وبينما هو يحدثنى إذ نظرت فى عينيه، فاذا بها أغرورقت من الدموع واستطرد قائلا: لا أتخيل مثلا أن أكون أنا فى قصر الاتحادية يوما وهناك مصرى ينام على الرصيف، ماذا سأقول لربى عندما يسألنى عنه لم لم ترعه وقد كنت ولى أمره؟ لا أتخيل أن صاحب مظلمة يكون فى بلدته ويريد أن يقابلنى فلا يستطيع الوصول إلىّ لقلة ماله أو لبعد المسافة فيدعو الله دعوة مظلوم فيستجيب الله فينتقم منى على تقصيرى.. وكثير وكثير مما يطول ذكره من المسئولية تجاه أبناء وطنى ثم شرد بفكره قليلا، لا أدرى ماذا جال بخاطره ثم قال لى: "لو لم أكن رئيسا لوددت ألا أكون رئيسا".
قاطعته قائلا: سيادة الرئيس لقد اختارك الله لأن تكون رئيسا لمصر وولى أمرنا فامض على بركة الله، ولن يخزيك الله ما دمت تريد صلاح البلاد والعباد، وأعلم دائما أن قوتك هى فى حب الشعب لك، فاعمل على دوام حبه لك ورضاه عنك يوفقك الله، فاستشعرت أن كلماتى وجدت طريقها إلى قلبه فقال لى: نعم القول ما قلت وأسأل الله أن يعيننى على هذه المسئولية الكبيرة وتلك الأمانة التى تحملتها، ولا تظن أننى أتنصل من المسئولية بكلامى هذا، أو أننى لست على قدر المسئولية ولكنها المسئولية عندما أقف بين يدى ربى لذا لابد أن أعمل لها ألف حساب، لن أكون كمن كانوا قبلى، فقد وعيت الدرس تماما وسأكون المواطن الرئيس الذى يسبق فعله قوله، لن أتحدث كثيرا ولكن سيرى الشعب كلامى فيما أفعله من أجله، لا أدعى أنى سأفعل العجب العجاب ولكن سأقول للشعب كما قال ذو القرنين: أعينونى بقوة، فالشعب هو سلاحى الذى سأنتصر به على كل متربص يريد لمصر سوءا وسيخرج قرارنا من هنا وسأجعل شعارى "الرئيس والشعب إيد واحدة".
"الرئيس والشعب إيد واحدة" ظللت أرددها لمرات وقد وجدت حلاوة معناها، ثم قلت لسيادته: لو نجحت يا سيادة الرئيس فى تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع سوف تتغير ملامح مصر كثيرا لأنك بذلك تكون قد وضعت يدك على كلمة السر التى بها تنهض أى أمه، فالشعوب لا تنهض إلا بفضل سواعد أبنائها فى ظل القيادة الحكيمة التى تحسن تدبير الأمور والشعب المصرى لن يخذلك أبدا، وهو الذى فوضك لأن تكون رئيسا لمصر واختارك لأن تقود مصر وتكون رجل هذه المرحلة، ولتعلم سيادتك أن محبة الشعب لك وقدرك عند جموع المصريين شىء يفوق الخيال، فلتحافظ على هذه النعمة وهى محبة الناس لك فهى أعظم هبة منحها الله لك، وفيها ومنها تستمد شرعيتك وليس الشرعية المزعومة لمن كانوا قبلك.
سكت سيادة الرئيس لبرهة ثم قال سأبدأ مشوارى فى الرئاسة بتخصيص شهر كامل أعقد فى كل يوم مؤتمرا شعبيا على مستوى المحافظة التى أزورها، التقى فيه أبناء المحافظة صغيرهم وكبيرهم، لأستمع إليهم مباشرة من دون تقارير خادعة وكلمات مغايرة للواقع، فأشعر بهم وأحس بمشاكلهم وأقترب من واقعهم، على أن أكون فى نهاية هذا الشهر قد انتهيت من زيارة كل محافظات مصر واطلعت على ما يدور فى كافة ربوع مصر وقد طمأنت الشعب أنى سوف أكون عند حسن ظنهم بى بإذن الله ثم أبدأ بعد ذلك مرحلة الفعل والعمل فى صمت واضعا نُصب عينى رضا الشعب فيما أتخذه من قرارات.
"إحنا ناس بنخاف ربنا والحمد لله" كانت هذه هى آخر كلمات سمعتها من سيادة الرئيس قبل أن أستأذنه فى الانصراف بعدما وعدنى أن يكون لنا لقاء آخر.. ولا أخفى عليكم أنى سعدت كثيراً بمقابلتى لسيادته وعرفت ساعتها أن صوتى فى انتخابات الرئاسة ذهب لمن يستحقه، لكن أود أن أخبركم بشئ هام أن الرئيس الذى قابلته هو الذى يتطلع إليه المصريون، الرئيس الذى لا يهنأ له بال حتى يرى السعادة فى وجوه مواطنيه، الرئيس الذى لا ينام لأنه مشغول بأمر شعبه وبرغم حديثى مع سيادته إلا أننى لا أعرف اسمه لأنه فى علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله فهل ستكشف الأيام عن اسم هذا الرئيس الذى قابلته؟
قصر الرئاسة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي زايد
كان يجب عليك أن تقول له