أعرب عدد كبير من رؤساء ومديرى القنوات الفضائية الخاصة والحكومية عن استيائهم الشديد من بعض التجاوزات التى يشهدها الإعلام المصرى فى الوقت الحالى، وحالة الفوضى التى انتابت بعض الفضائيات، وإقبال عدد كبير من أصحاب المهن المختلفة على تقديم برامج تليفزيونية رغم عدم توافر الأسس والقواعد المهنية فى هؤلاء الأشخاص، وعدم وجود أى صلة بينهم وبين الإعلام من قريب أو من بعيد، لدرجة أننا نرى محاميا أو طبيبا أو مهندسا أو رجل أعمال يقدم برنامج توك شو، وليست الأزمة فى أنه لم يدرس الإعلام بل الطامة الكبرى أنه لا يعرف شيئا عن الإعلام أو تقديم البرامج ليخرج لنا على مدار ساعتين أسوأ ما فيه، وأكثر شخص يصف نفسه بالإعلامى يقدم برنامجا عبارة عن "رغى" فقط وشتائم وسباب موجهة لفئات وشخصيات مختلفة، أو تهييج لفئة من الشعب على أخرى، إضافة إلى وصلات من "الزعيق" والانفعالات الزائدة.
المهندس أسامة الشيخ المستشار الإعلامى لـ mbc مصر قال لـ"اليوم السابع إن العديد من أصحاب المهن المختلفة أقبلوا على تقديم برامج تليفزيونية رغم أنهم بعيدون كل البعد عن هذه المهنة ولا يمتلكون الكاريزما التى تسمح لهم بالتواجد على الشاشة، ولكن لابد أن يستثنى الصحفيون من ذلك لأنهم داخل الوسط الإعلامى بطبيعة عملهم، ولا يجوز التفرقة بينهم وبين الإعلاميين لأنهم بطبيعة الأمر يخضعون لمهنة واحدة، موضحا أن هناك العديد من الحالات الإستثنائية لابد من مراعاتها مثل برنامج طبي، فمن الممكن أن نستعين بطبيب ولكن لابد أن يكون لديه الحضور والكاريزما ويمتلك من الثقافة ما يجعله قادرا على إدارة الحوار.
ويضيف الشيخ: أنا ضد أن يكون الإعلام أو تقديم البرامج متاحا لأى شخص يرغب فى ذلك، دون أن يكون مناسبا للشاشة، حيث أوضح أن المذيع الذى يرغب فى التواجد على الساحة لابد أن تتوافر فيه عدة عناصر وهى القبول من ناحية الشكل، فضلا عن الثقافة العامة والصوت المقبول، وأن الدخيل على المهنة والغير مدرك لقواعدها سريعا ما يختفى منها، لأن الأمر ببساطة يتوقف على الجمهور الذى يقرر متابعته أو الانصراف عنه فيرغمه على الابتعاد عن الشاشة.
وأكد الإعلامى ألبرت شفيق رئيس قناة الـ on tv أنه لا يسمح بالتواجد فى قناته لأى شخص دخيل على المهنة ولا تتوافر فيه الشروط التى تسمح له بالتواجد على الشاشة، موضحا أن محاولات دخول من ليس لهم علاقة بمهنة الإعلام على الفضائيات وإقبالهم على تقديم البرامج، هو نوع من البحث عن الشهرة والسعى إلى جذب الأنظار إليهم وفى أغلب الأحيان تكون من أجل البحث عن المال، موجها اللوم لعدد من القائمين على الإعلام المصرى لعدم سعيهم وراء إنشاء نقابة تنظم المهنة وتسعى لتحقيق ميثاق الشرف الإعلامى وتمنع أى دخيل على الساحة الإعلامية.
ودعا شفيق جميع القائمين على مهنة الإعلام فى مصر إلى ضرورة التكاتف من أجل إقامة هيئة مستقلة لتنظيم الإعلام، ويكون من أهم اختصاصاتها أن تتأكد من توافر شروطا معينا حتى يصبح الشخص لائقا للظهور فى ثوب مقدم البرامج.
وانتقد ألبرت شفيق بشدة ما حدث الجمعة الماضية على أحد الفضائيات الخاصة، وتلفظ مقدم برنامج ببعض الألفاظ البذيئة عبر شاشتها والتى يعاقب عليها القانون، خاصة فى الوقت الذى نسعى فيه لتطوير الإعلام المصرى، وتنمية الثقافات المصرية لدى الفرد والجماعة، موضحا أن مثل هذه الألفاظ التى تتداول على بعض القنوات الغير مهنية تهدد كيان المجتمع المصرى واحتفاظه بعاداته وتقاليده، داعيا إدارة النايل السات والقائمين عليه إلى أن يطبقوا القانون على مثل هذه الفضائيات بإيقافها، وفى حالة استمرارها فى نهجها السلبى تغلق على الفور، موضحا أن هذا الأمر يُتبع فى كافة دول العالم المتقدمة ولم يمتنع المسئولين عن تطبيقه سوى فى مصر فقط.
وشدد رئيس قناة الـ on tv على خطورة استمرار الوضع الحالي، حيث من الممكن أن يلحق الضرر بالإعلام المصرى بأكمله، فإذا كنا تخلصنا بالأمس من القنوات المتاجرة بالدين والتى تحرض على العنف والقتل باسم الدين، فما يتبع الآن من قبل بعض القنوات الغير مهنية أخطر بكثير ويؤدى إلى إنهاء القيم والعادات المجتمعية، لافتا إلى أن الأمر حينما يصل إلى السب بالأب والأم فلابد أن يدق ناقوس الخطر لكى ينبهنا كمسئولين عن الإعلام إلى ضرورة التصدى لذلك.
واختتم شفيق حديثه لـ"اليوم السابع" بأنه سيبدأ بعمل مبادرة من خلال قنوات الـ ONT، بضرورة عمل هيئة للتنظيم الإعلامى داعيا جميع الفضائيات أن تشارك فى هذه المبادرة بالمشاركة مع جريدة اليوم السابع.
وأشار طارق الفطاطرى رئيس قنوات المحور إلى أن مسألة دخول كل من ليس له علاقة بالشأن الإعلامى إلى المجال من أجل الشهرة فقط، سيضر بالإعلام المصرى بأكمله الذى يحتل الريادة فى المنطقة العربية، وقال الفطاطرى إن "المحور" بجميع القنوات التابعة لها، قنوات وطنية كل ما يهمها مصلحة الوطن العليا والبعد عن كل ما هو سيئ وردىء، وأن المحور ترفض كل من هو ليس مهنيا أو يرغب فى التواجد من أجل أهواء شخصية، وأن القنوات التى يترأسها تعمل فى إطار منظومة متكاملة من البرامج التى تعكس كل الآراء والاتجاهات وتوجه إلى كل المصريين فى شكل محترم وهادف، معلقا رسالتنا الإعلامية التى سنحاسب عليها جميعا أمام الله تهدف لمهاجمة الخارجين عن القانون والدخلاء على أى مهنة لإفساد القيم والتقاليد والعادات المصرية الأصيلة.
وقال عبد الرحمن صبحى رئيس الفضائية المصرية، إن حالة الفوضى الحالية التى نشهدها على كافة المستويات امتدت بشكل كبير إلى مجال الإعلام الذى أصبح مهنة من لا مهنة له، حيث أوضح أن الوضع بعد الثورة تغير بشكل كبير فالجميع يريد أن يظهر على الشاشة، ويريدون أن يصبحوا مذيعين ومقدمين برامج توك شو، وهو ما أضعف الوضع الإعلامى المصرى إلى حد كبير.
وأوضح رئيس الفضائية المصرية أن عدد كبير من العاملين بالوسط الإعلامى، وبالتحديد من يظهرون عبر الشاشات الفضائية لم يخضعوا للجان تقييميه مثلما كان يحدث فى السابق، حيث أكد عبد الرحمن أن المذيع أو المذيعة قبل أن تظهر على الشاشة كانت تخضع للجان إختباراتية وهذه اللجان هى التى تقرر قبولها للمهنة من عدمه، كما أنها هى التى تحدد إمكانية تخصص المتقدمين للبرامج المختلفة، فبحسب الهيئة والثقافة والقدرة على إدارة الحوار يتم إسناد برنامجا سياسيا إلى شخص ما وإسناد برنامجا اجتماعيا إلى أخر وثقافيا إلى مذيع ثالث على عكس مانراه الآن فالجميع يريد أن يكون مذيعا سياسيا دون أن يكون لديه أى خلفية عنها ويكتفى بـ"التشويح" للمشاهدين، مشيرا إلى أن كل هذه الإجراءات التى كانت تُتبع بخلاف أن المذيعين أنفسهم المعينين كانوا يتم إختبارهم أمام لجان، بهدف إعادة تقييمهم، وقد كان هناك فى كثير من الأحيان يتم استبعاد مذيع أو مذيعة عن أحد البرامج عندما يقل أدائه الإعلامي، أو تجاوزت سن الـ50 مثلا فيتم إسناد لها منصبا إداريا وترك الفرصة لغيرها من الشباب فى حالة عدم حفاظها على المظهر العام لها.
وأضاف عبد الرحمن صبحى قائلا: الإعلام المصرى أصبحا يواجه حالة من الفوضى العارمة فكل من يسير أمام أستوديو لقناة فضائية يريد أن يصبح مذيعا دون أن تكون لديه الإمكانيات اللازمة التى تؤهله لذلك، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين يريدون دخول هذه المهنة من أجل المال عليهم أن يدركوا أن هناك العديد من المهن الأخرى يكون مكسبها أكثر من مهنة الإعلام، مشددا على ضرورة أن يكون هناك لجان لتقييم الذين يظهرون على الشاشة من أجل عودة الريادة الإعلامية لمصر، حتى يكون من يظهر على الشاشة قادرا على إيصال المعلومة بشكل مناسب للمشاهدين، الذين هم فى الأساس يعانون من "الأمية"، مؤكدا على أهمية هذا فى ظل الفترة الحالية التى نسعى فيها إلى البناء والتطوير والرغبة فى التقدم.
ويرى الإعلامى حسين زين رئيس قناة نايل لايف، أن الأمر الحالى الذى وصلت إليه بعض القنوات الفضائية داخل مصر، أصبح يشكل خطورة على مستقبل الإعلام المصرى، فكل "من هب ودب"، يرغب فى أن يصبح مذيعا دون أن يكون لديه ما يؤهله لذلك، حيث أوضح أن كثير من الذين يظهرون على الشاشات ويقبلون على تقديم البرامج يعتمدون على مسألة الـ Sponsor، وهو الشخص الذى يقدم الأموال اللازمة لدعم البرنامج الذى يقدمه شخصا أخر فى الغالب يكون هذا الشخص غير مدركا وفاهما لأدوات اللعبة الإعلامية، مما يعيد بالضرر على الإعلام المصرى بشكل عام، حينما يشاهدنا الجمهور من داخل مصر وخارجها.
ودعا زين جميع القائمين على القنوات الفضائية سواء كانت خاصة أم تابعة لماسبيرو إلى أن يتبعوا المعايير المهنية فى ظهور الأشخاص على الشاشة، بالإصرار على عدة عناصر ووضع مجموعة من التساؤلات أمام عينيهم وهى، ما الجديد الذى سيقدمه هذا الشخص؟ وما الشكل الذى سيظهر به؟ وهل سيكون ظهوره مناسبا أم لا؟ وذلك حتى لا يكون الإعلام حقلا لراغبى المال والشهرة، موضحا أن المشاهد الذى يجلس فى بيته ليس له أى ذنب فى أن يشاهد ما يرفضه عقله وقلبه ويلوث بصره.