أمير واصف يكتب: اللامركزية قبل أن يسبق السيف العذل

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013 11:03 ص
أمير واصف يكتب: اللامركزية قبل أن يسبق السيف العذل صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أسأم من تذكير القارئ بتعريف أينشتاين للحماقة وهى"أن تقوم بتكرار نفس التجارب وبنفس الشروط وأن تتوقع الحصول على نتائج مختلفة فى كل مرة".

وهذا يدفعنى إلى تكرار الدعوة إلى ضرورة إعادة النظر فى نظام الحكم الرشيد للبلاد، وضرورة تغيير منظومة تلك الحوكمة لترتكز على مبادئ اللامركزية العميقة وكفانا من هذا النظام المركزى الذى جثم على أنفاس المصريين منذ أيام الملك مينا.

كما أعيد التذكير بأن انتهاج مسلك اللامركزية الشاملة سيتطلب العديد من التعديلات الدستورية والإجرائية والقانونية والسياسية التى ستستمد مرجعيتها من الرغبة السياسية الجادة فى انتهاج مسلك اللامركزية وأن تلك الرغبة السياسية، هى حجر الزاوية فى إنجاح تلك النقلة النوعية.

كما لا يفوتنا التأكيد على أهمية أن تدرج تلك الأسس ضمن مواد القانون الدستورى الجديد، دوافع انتهاج نظام اللامركزية
الديمقراطية والتعددية، التطور السياسى والاجتماعى فى حوكمة البلاد ادى الى بناء نظام هرمى للسلطة اضيفت بموجبه عدة طبقات بين الحكام والمحكومين، وبالتالى فقد عنيت نظريات العمل الديمقراطى بتخليق وتفعيلقنوات للتواصل الرأسى عبر تلك الطبقات بين الشعوب والحكام وهو ما نطلق عليه لفظ مأسسة الدولة. ولا يفوتنا التنويه الى ان مؤسسات الدولة اليوم فى حاجة ماسة الى إعادة نظر شاملة لتواكب الأنماط البازغة فى كافة دروب ومبادئ الحكم الرشيد.

ومن ناحية أخرى فإن التعددية الطبيعية للشعوب كانت من أهم العوامل التى أدت إلى تكوين وحدات متباينة المصالح سواء كانت عرقية أو قومية أو دينية أو اجتماعية أو جغرافية أو حرفية إلى آخر تلك التقسيمات. والحل الأنسب للمواءمة بين كل تلك الأبعاد هو توسيع قاعدة المشاركة الشعبية عن طريق تطبيق أسس ومبادئ اللامركزية العميقة.

ولا نكون قد شطحنا كثيرا لو أكدنا أن كل تلك الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات المليونية التى شاهدناها مرجعها الأساسى هو انسداد قنوات التواصل الرأسى بين الشعب والحكومة عبر مؤسسات مؤثرة وغياب الآليات الفاعلة لنظام حوكمة ديمقراطى مبنى على نظريات التمكين والمساءلة.
نظرا لتنوع الاحتياجات والمطالب بين أصحاب تلك التوجهات والتى قد تصل إلى حد تضارب المصالح فإن تلك التعددية -خصوصا فى ظل نظام مركزى قوى كما هو الحال فى مصر-هى من أهم أسباب ضعف الممارسات الديمقراطية وعدم استجابتها للاحتياجات الحقيقية للأقاليم وقد أدت لما نشاهده اليوم من اتساع الفجوة بين المركز والأقاليم.

بالتالى قد نخلص إلى أنه كلما اقترب صنع القرار من القاعدة الشعبية كلما تعمقت الديمقراطية فى المجتمع وأن توسيع القاعدة الشعبية يتحقق بالممارسات اللامركزية.

التجانس الديموغرافى للاحتياجات

لقد عايشنا مؤخرا كافة المطالب الفئوية التى طفت على سطح الأحداث وكان الملاحظ هو مدى التباين الكبير فيما تضمنته تلك المطالب حسب نطاقها الجغرافى مما أربك جهود الحكومة (المركزية) وهذه الملاحظة تدعم الفكرة المحورية المساندة للامركزية حيث إن حكومات الأقاليم ستكون بحكم طابعها المحلى أكثر تفهما وأكثر سرعةَ فى الاستجابة للمطالب الشعبية، فهى الأقرب بعدا من جمهور الإقليم وهى بالتالى أعلم باحتياجاته وتتحمل مسئولية قراراتها ضمن منظومة التمكين والمساءلة.

القرب من الاحتياجات الحقيقية للمواطنين

مما لا شك فيه أن تفاوت درجات اهتمام الحكومة المركزية بمحيطها المباشر كان على حساب الأقاليم وهو ما أدى إلى محاولات ضيقة لاستدراك المواقف عن طريق استحداث بعض السياسات الإنمائية للأقاليم الأقل حظا فى التنمية كالحوافز الاستثمارية للصعيد وما إلى ذلك من سياسات.

أما فى ظل نظام لا مركزى عميق فإن اتخاذ القرارات ذات الطابع الجماهيرى تكون نابعة من جماهير الإقليم نفسها وبالتالى تحظى بقبول أوسع عن تلك التى تفرض من المركز وهى بالتالى قادرة بموجب طبيعتها على تعميق ودعم المبادرات المجتمعية وزيادة فاعلية الجهود الذاتية لسكان الإقليم.

وعلى صعيد نظام الحكم المحلى الحالى. فإن ضعف فاعلية الوحدات المحلية فى مواجهة الحكومة المركزية يرجع بالأساس الى ضعف نظام الحوكمة الإدارية والسياسية وعدم وجود رؤية واضحة لكيفية ادارة وحدات الحكم المحلى بطريقة متوازنة قد توائم بين متطلبات كل الأقاليم وبين طرق تحديد أولويات التنمية بها إضافة إلى تجريد تلك الوحدات المحلية من أى سلطات تشريعية وأدوار رقابية فاعلة لضمان حسن أداء الوحدات المحلية.
اللامركزية والنمو الاقتصادى

تؤكد عدد من الدراسات وجود علاقة طردية بين اللامركزية ومعدلات النمو الاقتصادى للبلاد. فوجود حالة من التنافس الشريف بين الأقاليم لجذب الاستثمارات اليها وتقديم الخدمات الاستثمارية الداعمة للنشاط الاقتصادى ستؤدى الى استغلال الموارد المحلية لصالح أبناء المجتمع وبالتالى المشاركة الفعالة فى تخليق الرخاء مع ترسيخ فكر التمكين والمساءلة.

ولا يفوتنا التنويه إلى ضرورة منح الأقاليم الاقتصادية الشخصية المعنوية المستقلة التى تمكنها من الإمساك بزمام المبادرات الاقتصادية، ومنحها درجة كبيرة من السلطات التشريعية المحلية والمرونة النقدية والمالية والضريبية لسن التشريعات الاقتصادية المحلية حتى تصل تدريجيا إلى درجة متقدمة من الاستقلال المالى والاستفادة من مواردها الذاتية.

اللامركزية تقوِّض توحش الحكومة المركزية

نشير هنا إلى الحقائق التاريخية التى تؤكد أن اللامركزية تحول دون طغيان الحكومة المركزية على حساب الأقاليم وتساهم فى إقامة التوازن العادل فيما بينها.

يكفينا قولا أن أولى خطوات هتلر للاستئثار بالحكم فى ألمانيا النازية كان إلغاء سلطات الأقاليم لتركيز كافة السلطات مركزيا. وقد تكون هذه الخطوة أيضا إحدى طرق الحد من ظاهرة انفراد الحاكم بالحكم.

البعد الاجتماعى للامركزية
من فوائد نظام الحكم الرشيد المبنى على اللامركزية هى تعميق دور المؤسسات غير الحكومية فى الرقابة المجتمعية وبالتالى تعميق الشفافية والمساءلة، ودور المؤسسات غير الحكومية فى الرقابة المجتمعية ومنع الفساد وتحقيق تعاون وثيق بين المجتمع والسلطة التنفيذية (الحكومة)

البعد السياسى للامركزية
سيؤدى تطبيق اللامركزية العميقة إلى أن يصبح لكل إقليم حكومة محلية فاعلة حيث تتمتع الأقاليم بالشخصية المعنوية المستقلة، ولها سلطة تشريعية محلية أى برلمان محلى. وسيعنى البرلمان المحلى بسن القوانين المحلية واعتماد ميزانيات الإقليم وتحديد احتياجاته من الموارد المالية والرقابة على أعمال الحكومة المحلية، وكل تلك السلطات يجب أن تسرد فى القانون الدستورى المرتقب.

ومن المتوقع أيضا أن يتم انتخاب أعضاء البرلمانات المحلية بنفس نظام المجلس النيابى المركزى (مجلس الشعب) وأن ينتج عن اللامركزية إرساء نظام تشريعى ثنائى الغرف وأن يتم تمثيل مصالح الأقاليم فى المجلس الأعلى (مجلس النواب) ضمن نظام برلمانى ثنائى الغرف.

أما لو اقتنعنا بضرورة أن نسلك مسلك الحوكمة الرشيدة المبنية على اللامركزية العميقة أتوجه للسادة أعضاء لجنة الخمسين بهذا المقرح...راجيا ألا يكون قد فات الأوان وسبق السيف العذل.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة