يوم أن غاب الأزهر عن دوره الريادى فى الدعوة إلى الله بسبب تحويله من مؤسسة دينية دعوية مستقلة إلى مؤسسة حكومية يعين شيخه من قبل رئيس السلطة التنفيذية ففقد هيبته الدينية والدعوية، وأيضًا فقد مكانته العلمية كمنارة للعلوم الشرعية وفكر الإسلام الوسطى فى العالم الإسلامى، والتى ظل الأزهر يحتلها لمئات السنين كسفير للإسلام فى بقاع الأرض على اتساع رقعتها وتباعد أقطارها وقتما كان شيوخ الأزهر يتمتعون بالاستقلال، ولم يكونوا تابعين لا لحكومة أو حكام وكانوا يتقاضون رواتبهم من ريع الأوقاف لا من خزينة الدولة.
لقد تبدل حال الأزهر الشريف بعد ثورة يوليو 1952 بصدور القانون 103 لسنة 1961 لتطوير الأزهر وأصبح شيخ الأزهر من كبار رجال الدولة، حيث نص القانون على أن يتم تعيين شيخ الأزهر بقرار جمهورى وبدرجة رئيس وزراء من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، الذى حل محل هيئة كبار العلماء فى القانون رقم 26 لسنة 1936 والذى كان ينتخب من بينهم شيخ الأزهر، ولكن ألغيت الهيئة وحل محلها مجمع البحوث الإسلامية والذى يعين أعضاؤه بالإضافة إلى تعيين رئيس جامعة الأزهر وعمداء الكليات الأزهرية.. بل وشيوخ المعاهد الأزهرية، وهذا يعكس سيطرة الدولة على الأزهر، والذى أصبح كل شيوخه- من الإمام الأكبر وحتى شيخ المعهد شبه موظفين، وانتفت عنهم الاستقلالية الدينية.
لقد تولى مشيخة الأزهر حتى يومنا هذا تسعة وأربعون شيخًا كان أولهم الشيخ محمد عبدالله الخراشى المالكى، والذى تولى عام 1690، ومن أبرز المشايخ الذين تولوا هذا المنصب الرفيع الشيوخ الشبراوى والدمنهورى والنواوى والشربينى والمراغى ومصطفى عبدالرازق والبشرى وشلتوت وعبدالحليم محمود وجاد الحق على جاد الحق.
فى يناير 2005 وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى فى مجلس الشعب على مناقشة مشروع قانون جديد بإعادة تنظيم الأزهر ينص على انتخاب شيخ الأزهر بدلاً من تعيينه، وأن تكون الأموال المخصصة لكبار رجال الدين فى الدولة ومنهم شيخ الأزهر ومفتى الجمهورية وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية من ريع وعوائد الأوقاف ضمانا لحيادهم واستقلالهم، وعقب ثورة يناير 2011 وفى 30 مارس 2013 صدر القانون رقم 7 لسنة 2013 الذى ينظم شئون الأزهر ويعيد إليه استقلاله.
إن غياب الأزهر عن دوره الريادى فى الدعوة إلى الله بسبب تحويله من مؤسسة دينية دعوية مستقلة إلى مؤسسة حكومية نتج عنه اختفاء علماء الأزهر من الساحة الدعوية وهم أولى بها وأهلها وحل محلهم طائفة جديدة من الدعاة المجتهدين فمنهم من أصاب وأحسن، ومنهم من أخطأ الفهم والوعى وراح يفتى الناس بغير علم لأنه بنى اجتهاده على غير أساس سليم من تأصيل العلم الشرعى المستقى من موارده ومناهله الفياضة فلا يكفى أن تقرأ كتابا أو أكثر أو تستمع لشيخ أو أكثر لتكون عالم ولا أدرى أكان الدافع البحث عما ينفع الناس أم النفع المادى لما تدره هذه المهنة من عائد مادى على القنوات الفضائية الدينية.
هؤلاء الدعاة ممن تصدروا المشهد الدعوى على مدار سنوات عديدة مضت ولا يزالون ولا يوجد من بينهم متخصص فى الشريعة أو الدعوة، فالكثير ومن أشهرهم دون ذكر للأسماء، إما طبيبا أو مهندسا أو محاميا فكيف يستقيم الأمر مع الأخذ فى الاعتبار أن العلوم الشرعية ليست حكرا على أحد دون غيره لكن لها آداب وأصول ومنابع لتحصيلها والتخصص فيها.
والسؤال الآن أهؤلاء علماء أم هؤلاء ضحايا أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية سيئة أدت إلى ظهور ما يعرف ببطالة المثقفين؟ وأتذكر معكم قول شيخ الإسلام العلامة الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله "إذا كانت قبلة المسلمين فى الصلاة هى الكعبة فقبلة المسلمين فى العلم هى الأزهر، ومن ترك الطواف حول الكعبة بطل حجه، ومن ترك الطواف حول الأزهر بطل علمه".
