د. محمد على يوسف

فهلا نملة واحدة!!

الخميس، 08 أغسطس 2013 08:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت تلك معتبة ربانية وجهها الله جل وعلا لأحد أحب خلقه إليه وجهها لنبى من أنبيائه، القصة بتمامها وتفاصيلها ذكرها النبى صلى الله عليه وسلم وأورد رواياتها الإمامان البخارى ومسلم فى صحيحيهما وتدور أحداثها فى زمان سابق لعصر رسولنا حيث نزَل نبىٌّ منَ الأنبياءِ تحتَ شجرةٍ، فلدَغَتْه نملةٌ، فأمَر بجهازِه فأُخرِج من تحتِها، ثم أمَر بقرية النمل فأُحرِقت بالنارِ، هنا صدرت المعتبة الربانية ونزل الوحى الإلهى يلوم ذلك النبى على تلك العقوبة الشاملة قائلاً: «أحرقت أمة من الأمم تسبح الله» ثم ختمت المعتبة بتلك الجملة التى صدَّرت بها مقالى: فهلا نملة واحدة، أما كان يكفيك أن تعاقب تلك النملة التى آذتك بدلا من أن تعمم عقوبتك على سائر جنسها؟! هو سؤال استنكارى مختصر يبين قاعدة عظيمة كثر ذكرها فى الكتاب والسنة، قاعدة تضىء بالعدل وتسمو بالإنصاف وتتألق بالحكمة المفتقدة بين كثير من الناس مع بعضهم البعض وليس مع نملة، مجرد نملة.

إنها تلك القاعدة القرآنية التى تكررت بنفس اللفظ خمس مرات فى كتاب الله، قاعدة: «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. ذلكم المبدأ المنطقى البسيط الذى هو على الرغم من بساطته ووضوحه وبدهيته صار يغيب عن أذهان كثير من الناس اليوم فيعتمدون خطاب الجمع والتعميم ويختارون ثقافة السلة الواحدة التى هى ثقافة مريحة بلا شك لكنها راحة الاستسهال واطمئنان التنطع والكسل، فلماذا ينفق الظالم شيئا من وقته وفكره فى التفصيل والإنصاف بينما هو يستطيع أن يلقى الجميع فى سلة واحدة و«يخلص»، وإن ذكرته بأن «كل نفس بما كسبت رهينة» وأن «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت» وسائر تلك الأدلة القرآنية والنبوية الناصعة التى تبرق بنور الإنصاف والعدل فإن تذكيرك هذا سيصطدم بحواجز مصمتة وضعها على عينيه مروجو تلك الثقافة، ثقافة السلة الواحدة والتعميم المقيت ومبدأ السيئة تعم والعقوبة على المشاع.

ولو أتعب أولئك المستسهلون ذلك العضو الذى وُضع فى جماجمهم وأمروه بالتفكير هنيهة فى مآل تلك الطريقة لحقروا أنفسهم ولربما لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك على سطحية رؤيتهم وسماجة مبدأهم ثم لا يلبث ضحكهم إلا وينقلب إلى بكاء حين يكتشفون مدى الظلم والغبن الذى دفعهم إليه شنئان قوم. حين يتفكرون للحظات كيف يحاسب كل أسمر على خطيئة من يشاركه لونه وكيف يعاقب كل أشقر على جريمة ارتكبها شبيهه ولماذا يُلام سمين على كل ذنب اقترفه سمين مثله، مشهد هزلى هو لكنه للأسف يحدث يوميا، مجرد أن تسمع أو تقرأ لإنسان يتكلم مهاجما مخالفه بصيغة الجمع قائلاً: أنتم فعلتم وسويتم تعلم حينئذ أنك بصدد أحد أبناء تلك الثقافة، ثقافة التعميم المريح ومبدأ امتداد العقوبة، ذلك المبدأ الذى حذر منه يوسف عليه السلام بكل وضوح حين عرض عليه إخوته أن يأخذ أحدهم بدلا من أخيهم بنيامين فقال: «معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون».. هذا هو الأصل والقاعدة الشرعية الواضحة، حتى على مستوى الأعراف البشرية الطبيعية - باستثناء الحقب الفاشية والأمم القائمة على التطهير العرقى والإبادة الطائفية- فإن رفض ذلك المبدأ هو الأصل، بل إن هناك دولاً تعد ذلك الخطاب ومآلاته نوعا من التمييز والعنصرية وربما تُخضع مرتكبيها لعقاب شديد يردعهم عن هذا الظلم المقزز والأحمق فى الوقت نفسه. بينما المنصفون فى كل زمان ومكان لا يجرمنهم شنئان ولا يستخفنهم بهتان ولا يعممون طغيان بل يفصلون ويميزون ويفرقون بين الصالح والطالح والمحسن والمسىء ويرفعون دوما ذلك الشعار القرآنى الجليل «ليسوا سواءً» ولو افترضنا جدلا وقوع الخطأ من أى مخلوق غير معصوم فلتكن المحاسبة من نصيب مقترفه ولتكن العقوبة للنملة لا لقريتها ولا تزر وازرة وزر أخرى.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

أبو بدر المصري

حلو الكلام.. وجهه للبهوات برابعة والنهضة

عدد الردود 0

بواسطة:

ضيا الدين محمود

النمل ملة واحدة

عدد الردود 0

بواسطة:

د. محمد علي يوسف

إلى الاستاذ ضياء الدين صاحب التعليق رقم 2

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

طب ياعم صاحب البصيرة ............

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

رجاااء من الدكتور

عدد الردود 0

بواسطة:

يسقط نظام المرشد !!.........ومن يرغب فى استمرار نظام المرشد !!

دارى !!........على نملتك !!................تندارا !!

فوق !!

عدد الردود 0

بواسطة:

عدلى عبد الباقى السيد

لا تلقوا بالدرر فى المزابل

عدد الردود 0

بواسطة:

nono

نعم للأسف .. النمل كله ملة واحدة

عدد الردود 0

بواسطة:

saeed

عد النمل يا عم

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد عبد العال

إلى من تتحدث يا دكتور ؟ !

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة