الفريق السيسى هو الشخصية الأكثر جدلا فى تاريخ العسكرية المصرية فى العصر الحديث، بعد انتصار أكتوبر وانتكاسة كامب ديفيد، حيث أصبح الجيش المصرى لا حول له ولا قوة أمام قيادة سياسية تتحدث عن السيادة ولا تستطيع نشر قوات لها على أراضيها فى سيناء..
لقد ظهر الفريق السيسى كقائد شاب قام بتغيير استراتيجى ونقلة نوعية فى الجيش المصرى منذ توليه فهو حسن الخلق متدين بطبعه مما جعله يوضع على قوائم الاستقطاب لجماعة الإخوان التى كانت تسعى لاستقطاب وأخونة كل شىء فى مصر بما فيها الحجر والشجر.
ولكن بعد أن وصل الرجل إلى رتبة فريق وقائد عام للجيش المصرى بدأت تغلب عليه العقيدة العسكرية الوطنية التى رسخها الزعيم جمال عبد الناصر عندما أعاد تأسيس الجيش المصرى فى العهد الحديث، وبدأ الصدام بين مشروع الوطنية المصرية وبين حلم التوسع الأمريكى الذى يحمله محمد مرسى، وقبل أن يحتدم الصراع تصاعدت وتيرة الغضب الشعبى فى مصر نتيجة لسوء إدارة الإخوان للبلاد، وأعلن جيل الثورة التمرد على الوضع القائم حينها أدرك الفريق الشاب أنه لم يعد بمفرده أمام الموجة الاستعمارية الجديدة وانحاز أولا إلى الوطن وشعبه، الذى هو وحده مصدر الشرعية ثم إلى الجيل الأقرب له، والذى أثبت أنه قيادة ميدانية للثورة ثم إلى كل مؤسسات الدولة التى أدركت الغزو الإخوانى مؤخرا.. باختصار هذه هى قصة الأمة التى قررت أن تقاتل من أجل استقلالها وبناء مجتمع يليق بأبنائها.
فى خطابه الأخير بدا متوترا فقد ارتدى الرجل نظارة شمس حتى لا تظهر ملامحه وتعبيراته، وحاول أكثر من مرة استدعاء شخصية جمال عبد الناصر (ارفع راسك يا ابنى). كان يؤكد طوال الخطاب على الهوية الدينية وأننا بنخاف ربنا وهنتحاسب يوم القيامة رغم أننا لسنا بحاجة لإثبات هذا لأحد.. وأخيرا ظهر السبب وراء هذا كله فقد طلب الفريق أول عبد الفتاح السيسى تفويضا شعبيا بأن يخرج الشعب المصرى يعطى أمرا لقواته المسلحة بالقضاء على الإرهاب، ولعل هذا الطلب بهذه الآلية يثبت أمرا واحدا وهو أن مصر تتعرض لضغوط غير عادية شعرت بها القوات المسلحة ولا تستطيع توضيح حجم هذه الضغوط، ولذلك فأى قائد وطنى قرر أن يخوض معركة التحرير يجب أن يكون وراءه غطاء شعبيا يمنحه الشرعية فى قراراته والقوة لاستكمال المعركة ويكون بمثابة إرهاب لأى عدو.
وبعد خطاب الفريق السيسى ظهرت ثلاثة كتل رئيسية: كتلة تعى وتفهم وتدرك جيدا طبيعة الصراع لأنها تنطلق من قاعدة وطنية فى تحليل الأمور، وكتلة تتهم القوات المسلحة بأنها تحاول ممارسة دور أكبر وترى أنه يجب مكافحة حكم العسكر وهذا لأنها تنطلق من قاعدة أيدلوجية فى التفكير فهى ضد المؤسسة العسكرية بحكم النظرية السياسية التى يؤمن بها هؤلاء، وهناك مجموعة من الصفاقة وأصحاب الزفة السياسية الذين تعودوا ممارسة التطبيل لأى سلطة أو قوى تتصدر المشهد من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
هذه هى الكتل الرئيسية التى ظهرت بعد تدخل القوات المسلحة فى المشهد السياسى ونظرا لخطورة الموقف يجب علينا أن نتحدث إلى كل هؤلاء بدون مجاملة أو تملق، ويجب أن ننطلق من عدة حقائق، أولا: منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مصر لم تحرز أى تقدم ملحوظ على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الديمقراطى، فقد تقزم دور مصر ومجال تأثيرها السياسى على المستوى العربى والأفريقى والدولى، وتفاقمت مشكلات اقتصادية نتيجة لتطبيق سياسيات رأسمالية تنحاز إلى الأقلية الغنية على حساب الأغلبية الفقيرة من أبناء الشعب، وتم تدمير القطاع العام للدولة وكل هذا من أجل خدمة مصالح أمريكا فى المنطقة.
إضافة إلى سيطرة أنظمة ديكتاتورية متعاقبة تضمن حفظ هذا الشكل لصالح الأمريكان، وبعد ثورة 30 يونيو والدور الذى لعبته الجماهير وتلاقى مع هوى القيادة العسكرية الوطنية بدأ فعليا العد التنازلى نحو تحقيق أهداف الثورة، والتى تبدأ باستقلال القرار السياسى والاقتصادى والخروج من دائرة التبعية ولهذا قامت الدول الكبرى بحرب إعلامية ودبلوماسية لمكافحة إرادة المصريين من أجل الحفاظ على مصالحها فى المنطقة، ويجب أن نفهم أن تقزيم المعركة وتقديمها للرأى العام على أساس أنها معركة أشخاص أو كيانات سياسية هذا كله يصب فى صالح العدو.
فالشعب وحده من حقه أن يشارك فى صنع القرار حتى يستطيع أن يقوم بدوره. ثانيا: يجب أن يفهم الجميع أن الشعب المصرى لن يقبل المساس بالمؤسسة العسكرية ليس خوفا أو نفاقا، ولكن لأنها درع وسيف الشعب ضد أعدائه وهى شريك أساسى فى إعادة إنتاج الحضارة إذا ما وجدت قيادة وطنية وهو الشرط الذى تحقق الآن، ولو نظرت للخلف فإننى أتذكر جيدا المعارك التى خاضها جيلنا ضد مجلس مبارك العسكرى، وهذا يعنى أننا لا نسعى أن نمنح المؤسسة العسكرية سلطات أوسع وصلاحيات لا نهائية فهى فى وجهة نظرى مؤسسة مثل باقى مؤسسات الدولة وربما لها خصوصية، خاصة نظرا لضخامة هذه المؤسسة وتاريخها الوطنى، ولكننا يلزم علينا التأكيد على أننا لن نقبل أن تتغول المؤسسة العسكرية على باقى مؤسسات الدولة، ولهذا نطالب أصدقاءنا ممن ينادون بإسقاط حكم العسكر، عليكم أن تفهموا طبيعة الصراع والمرحلة!.
ثالثا: إلى متخذى القرار فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن أعلم أنكم تقفهمون جيدا طبيعة المرحلة ولذا يجب عليكم أن تستفيدوا من كل طاقات الوطن بدون تفرقة. ففى أى معركة لا يوجد رتب بين المقاتلين فليس هناك جندى مقاتل ومقاتل غير جندى.
يجب أن يتعامل من يدير الصراع فى مصر الآن أن جميع أبناء الوطن سواسية ولهم الحق فى أن يقوموا بدورهم. فلا تتركوا الفرصة للمستغلين وأصحاب الزفة السياسية أن يصوروا للشعب أن الوضع لم يتغير وكل ما هنالك أنه ثمة قيادة جديدة للبلاد ولها حاشية مختلفة وكل ما يتغير هو وجوه الأشخاص، ويجب أن تعلموا أنه يوجد على أرض مصر من المخلصين الصادقين المستعدين بالتضحية بدمائهم من أجل هذا الوطن ربما لا يعرفهم أحد وهم ليسوا بحاجة أن يتحدثوا مرارا وتكرار عن وطنيتهم وقدرتهم على التضحية وعليكم فقط أن تتحدثوا للشعب وتتركوا التجارب تفرز حتى يستطيع هذا الشعب أن يخلق قياداته الطبيعية بدون تدخل أى طرف أو فصيل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة