تركت قريتى القابعة فى حضن الجبل الشرقى والجاثية تحت أقدام نهر النيل العظيم إلى مدينتى، مدينة ملوى التابعة لمحافظة المنيا.. لأكمل تعليمى فى المدرسة الثانوية (العسكرية سابقاً) بنين، وكأى إنسان قادم من الأرياف إلى المدنية.. بهرتنى أضواء المدينة.. خاصة وقد كانت ملوى وقتذاك (١٩٩١- ١٩٩٢) قطعة من وسط البلد بالقاهرة، بشوارعها المُسَفْلَتَة الناعمة (قبل أن يبدأون رحلة كفاح طينة فى عمل المجارى اللعينة طوال العشرين عاماً الماضية وحتى الآن!، والحمد لم يتركوا شارعاً واحداً سليماً)، وسينما ملوى بالاس، وفندق سميراميس (الملَّوَانى التقليد مِش الأصلى)، مقهى محطة السكة الحديد بمبناها العتيق الدافئ الودود قبل أن يستبدلوه بآخر كبير وحديث.. رخامى ولكنه بارد وكئيب، وبالطبع المحلات التجارية المنتشرة فى أنحاء المدينة، ثم فجأةً.. رميت الورد طفيت الشمع ياحبيبى، أتت سنة ١٩٩٣ حاملة رياح الإرهاب والتطرف والعنف القادمة من أسيوط، والتى راح ضحيتها بعض تجار الذهب من المسيحيين، وبعض أفراد الشرطة على ما أعتقد.. والتى كنت أنا أيضاً أحد ضحاياها.. حيث كنت سأقتل ذات ليلة عندما حاولت الهرب، مثل باقى الناس التى كانت موجودة بالشارع عند سماع سارينة سيارة الشرطة (فلقد كان هناك حظر تجوال.. فى البداية كان من الحادية عشر صباحاً على ما أذكر ثم تدرج بعد ذلك)، ولأننى من المحظوظين أنا وابن خالى الذى كان معى وقتذاك.. ترك رجال الشرطة كل هؤلاء البشر وطاردونا، ونحن لا ندرى، لأننا لم ننظر خلفنا، إلا أن وضعت البنادق الآلية على رؤوسنا مع الصيحة الشهيرة (إثبت محلك) وأعتقلنا لمدة 24 ساعة فى غرفة ٢ متر بها أكثر من خمسين شخصاً لا يستطيعون الوقوف على قدمٍ واحدة، ونحن ليس لنا فى الثور ولا فى الطحين، وأعقبها اعتقال آخر لمدة 12 ساعة، وقررت أن لا أنزل الشارع إلا للضرورة القصوى، ولكن على ما يبدوا أن أحدهم قد وشى لرجال الشرطة الأفاضل، أن المخرج الراحل ممدوح شكرى (رحمه الله)، صاحب فيلم "زائر الفجر" والذى منع من العرض وقت إنتاجه (١٩٧٣) ولم يشاهد صاحبه عرضه العام، قبل رحيله فى ريعان شبابه (٣٤ سنة)، أنه بلدياتى، وقد خرج من نفس الشارع الذى أسكن به بقريتنا إلى صلاح سيف ويوسف شاهين (رحمهم الله) رأساً، فقاموا بزيارتى فجراً بسكن الطلبة المقيم به، وأفتح عينِّى، قادماً من سابع نومه على المدافع الموجهة إلى رأسى وصدرى، وأقول لنفسى كما قال الزميل توفيق الدقن (رحمه الله) فى مسلسل ألف ليلة وليلة (وهو معتقل أيضاً، وواخد الطريحة التمام)، هو ده حلم ولَّا حلم جوّه الحلم، وفى الحقيقة لقد كان كابوسا، وهذه بعض ذكرياتى من التسعينات.. وكلما مررت بمبنى سينما ملوى بالاس وقد أغلقت منذ ذلك الوقت أحزن على بلدٍٍ يحرمون الناس فيها حقهم فى الحياة، وإن كان الله سبحانه منحنا هذا الحق، وسيحاسبنا يوم القيامة على كيف استغلالنا هذا الحق.. وحده دون سواه.. لأنه ليس لأحد ولاية أو وصاية على أحد (حتى الأنبياء) طالما لم يخالف القانون أو الدستور أو العرف السائد.
طارق ناجح يكتب: التسعينات.. وما أدراك ما التسعينات!!
الثلاثاء، 06 أغسطس 2013 11:05 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
مين طارق ده ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق ناجح
طارق ده .. مواطن مصرى يكره الأرهاب والتطرف