فى الذكرى السابعة لرحيل نجيب محفوظ وبعد عام من حكم الإخوان المسلمين لمصر وما خلفوه من ردود فعل سلبية فى وعى المصريين، كثرت التحليلات عن تناول نجيب محفوظ للإخوان المسلمين داخل أعماله بل ووصفهم بالمتطرفين وهو ما نفاه عدد من النقاد المتخصصين لـ"اليوم السابع" واصفين محفوظ بالشخصية الليبرالية بامتياز التى لم تهاجم ولم تتعنت بل رهن إبداعه بالتجرد من الأيديولوجيات غارقا فى مفردات الواقع راصدا أمينا غير منحاز.
دكتور صلاح فضل قال: إن نجيب محفوظ استطاع يعبر على مدار إبداعه الضخم عن الواقع الاجتماعى والسياسى المصرى، وذلك فى محاولته لتقديم لوحة إنسانية لهذا المجتمع، وظهور رجل الدين فى شكل الأزهرى والصوفى ظهر فى أدب نجيب محفوظ كما ظهر فى إبداعه ما يطلق عليهم أنصار الإسلام السياسى ممن أطلقوا لحاهم كمعادل موضوعى لشباب الاشتراكيين.
وأضاف فضل أنه وضح جدا فى مجمل أعمال نجيب محفوظ أنها لم تتعاطف مع هذه الفئة التى تدعو لحل المشكلات بالشعارات الدينية ووضح كذلك تعاطفه مع الاتجاهات الوطنية الداعية إلى العدالة الاجتماعية، وفى ظل ذلك لم يهاجم الإسلاميين.
وفى معرض صداقة صلاح فضل بنجيب محفوظ قال: أعرف عن طريق صداقتى مع محفوظ أنه كان ليبراليا ووفديا فى صميم مذهبه السياسى كان يدرك أن مستقبل مصر يتوقف على نجاح تجربة التحول الديمقراطى فإذا سألناه عن تصدر التيارات الدينية وقدرتها على خداع الجماهير باسم الدين كان سيقول هذا وارد وإنه ثمنا ينبغى أن ندفعه من أجل التحول الديمقراطى.
وأعرب فضل أن محفوظ كروائى ليس من شأنه أن يأخذ موقفا إيديولوجيا واضحا، ومسألة خلافه مع سيد قطب لم تكن حقيقية، فسيد قطب كان من أوائل النقاد الذين أنصفوا نجيب محفوظ ومدحوه بشكل واضح وجميل، عندما كان سيد قطب يشتغل بالآداب، وحتى بعدما تحول قطب إلى شخص راديكالى لم يأت نجيب على سيرته فنجيب كان عف اللسان شديد الامتنان.
وأضاف فضل، محفوظ طيلة حياته كان يتفادى إثارة المشاعر الدينية، وأذكر فى مطلع التسعينات أنه رفض طلبا من خلالى بتجديد العقد بنشر رواية "أولاد حارتنا " فى لبنان من خلال الكاتب والناشر سهيل إدريس حرصا على المشاعر الدينية التى تأثرت سلبا بعد قراءة الرواية.
الروائى والناقد سيد الوكيل قال، إن ذِكر الإخوان المسلمين فى أعمال عديدة لنجيب محفوظ على رأسها "الثلاثية" و"حديث الصباح والمساء " جاء فى معرض وصفه للثقافة التى نشأت فى مرحلة العشرينات من القرن الماضى لتحاول البحث عن مخرج من مسألة الاستعمار.
وأضاف الوكيل، أن نجيب محفوظ كان يرى جماعة الإخوان المسلمين مجرد مشروع إصلاحى مثله مثل المشاريع الإصلاحية الأخرى كــ "مصر الفتاة"، "حدتو" وغيرهما، بل وصف حالة من التناغم بين الإخوانى والماركسى والليبرالى مثلما وضح جليا فى رواية "الثلاثية" عندما كان كمال عبد الجواد مثالا للشخص الليبرالى الذى يتناغم مع ابن أخته الماركسى والآخر السلفى لأنهم يعملون جميعا على مصلحة الوطن.
واعتبر الوكيل مسألة الحديث عن تناول محفوظ للإخوان باعتبارهم طرف استحواذى ينفى الآخر غير صحيح وهذا لم يرد فى روايات نجيب محفوظ فقد كان محفوظ يرصد الواقع المصرى بموضوعية ولم تعلو عنده أى نبرة هجوم على طرف مثلما يثير البعض.
وأضاف الوكيل أن تجسيد محفوظ للشخصية المتدينة والمتصوفة لا يعنى تجسيدا للإخوان المسلمين، وقد كان وصف بعض الشخصيات المتدينة داخل أحد الأعمال بالشخصية الشهوانية لا يعنى شهوانية أهل الدين بل هو ملمح إنسانى يخص شخصية محددة داخل عمل روائى واضح المعالم، بل إن نجيب محفوظ فى رواية "قلب الليل" تناول مشروع الإخوان كفكرة إصلاحية ضمن أفكار إصلاحية كثيرة كانت تمر داخل المجتمع المصرى.
وأشار إلى أن التركيز على فكرة تحول الجماعة الإصلاحية إلى جماعة مستبدة لم يرصده نجيب محفوظ بشكل واضح خاصة أن فترة الخمسينات شهدت غيابا جزئيا للإخوان المسلمين بعد محاولة اغتيالهم عبد الناصر وزجهم فى السجون.
وأكد الوكيل أنه حتى بعد الاعتداء على نجيب محفوظ لم يظهر عداء للتكفيريين بل وصف الأمر بجرم وقع من أحد الأشخاص المتطرفين فلم يكن محفوظ فى خصومة تجاه جماعة سياسية بعينها.