أحمد زكارنة

أبغض الحلال

الجمعة، 30 أغسطس 2013 10:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أنوى عنونة هذا المقال بعنوان "القرار الصعب"، والقرار الصعب هنا أن تنتمى للجسم الصحفى وتنادى بالحريات وعلى رأسها حرية الرأى، وفى الوقت ذاته تطالب بإغلاق مكاتب وسيلة إعلامية تقول رأياً ما.. أمر قد يبدو متناقضاً إلى حد كبير، هذا صحيح لا أنكره.. ولكن لما لا نسأل أنفسنا أولاً عن ماهية هذه الحرية التى نطالب بها؟ ما هو سقفها ومحدداتها؟ وحين نتحدث عن الحرية ألا يجب أن تقترن بالمهنية؟ هل لو تعارضت هذه الحرية مع مصلحة الوطن تُرى أياً منهما سنختار الحرية أم الوطن؟ قد يسأل سائل وكيف سنحيا الوطن دون حرية، ببساطة أقول نحيا الوطن بمفهوم الحرية المسئولة لا الحرية المشوهة، والفرق بين هذه وتلك تماما هو الفرق بين الإنسان والحيوان.

قبل أيام قليلة وبعد مناقشات عدة خلصت إلى أن قناة الجزيرة تلعب دوراً إعلامياً لا يخدم سوى أعداء الأمة، تُحرض هنا وهناك، تُبيح القتل والفرقة، تزييف الحقائق، تروج إشاعات وتبكى أموات، وكل ذلك بأساليب وأدوات تخترق كل القواعد المهنية، وحين تُسأل تدعى الحياد.

فى نهاية النقاش شرفنى عدد من الأصدقاء والزملاء من الإعلاميين والأكاديميين العرب أن أتولى مسئولية التنسيق لحملة إعلامية عربية ضد الممارسة الإعلامية التحريضية لقناة الجزيرة القطرية، ومطالبة السلطات فى كل بلد عربى بإغلاق مكاتبها، ولقد كتبنا البيان الأول للحملة انطلاقاً من مسئوليتنا الوطنية التى تفرض علينا أن نجابه أكبر عملية تزييف عرفها التاريخ عبر كل هذه الممارسات الإعلامية غير المهنية بقوة وشجاعة، والحمدلله قوبل البيان الأول بكل ترحاب فى أكثر من أربعين وكالة أنباء وجريدة وموقع أخبارى عربى، ووجد صدىً إعلامياً واسعاً، وصلنى بَعدهُ بعض اعتراضات قليلة من زملاء حول كيفية تفسير تناقض المناداة بين الحرية والإغلاق؟

هنا اتسأل لماذا لا نقف أولاً أمام مهنية هذه القناة، وكل منْ اعرف من المعارضين لهذا البيان قالها بشكل واضح لا لبس فيه، أنا معك أن قناة الجزيرة تخطت كل الأعراف المهنية، وأنا شخصياً أتمنى إغلاقها ولكن.. هذه الـ"لكن" هى المشكلة، أنقف مكتوفى الأيدى لأننا نعمل فى مجال الإعلام وننادى بحرية الصحافة؟ أنكون شهاد زور لأن فلانا أو علانا من زملائنا يعمل فى هذه القناة؟ أنبيع الوطن ومصلحته لأننا نقف أمام حائط أصم اسمه حرية الصحافة التى لم نحدد لها تعريفاً مقبولاً يمكننا الاهتداء به.. أهذه الـ "لكن" أفضل عندنا من قوله تعالى إن أبغض الحلال عند الله الطلاق؟ أيعقل أن نوافق بصمت متضامن على التحريض لقتل الأخ لأخيه لأننا ملتزمون بهذه اللكن؟ ألم يحن الوقت لمراجعة كل مصطلحاتنا التى نطلق، ونحن نعرف مواطن ضعفها لكوننا لا نريد أن نظهر بوجهين متناقضين؟ أيعد شكلنا الخارجى أهم عندنا من أسبابنا الموضوعية؟ كلها أسئلة أعتقد أنها مشروعة تماماً، ولكنها بحاجة ماسة لأن نراجع أنفسنا أولاً وأخيراً.

نهاية القول، أنا ومعى حوالى 1500 كاتب وأكاديمى وناشط وشرائح مختلفة من المجتمع العربى حتى كتابة هذا المقال، نوينا ـــ وانطلاقا من حريتنا التى تنادون بها ــــ أن نختار أهون الشرين ونطبق شرع الله، فنطلق قناة الجزيرة طلاقا بائنا بينونة كبرى، ودون هذه الـلكن، وهذا أبغض الحلال.

* كاتب وإعلامى فلسطينى





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة