لقد مرت مصر وبعض البلاد العربية بحالة من الاستنفار الشعبى، لإسقاط أنظمة حكمتها ولتعطيل دساتير نشأت رغماً عنها، أو أنشأتها فيما يعرف بالربيع العربى الذى اضطرب كثيراً ولم يستقر طويلاً فى بعض البلدان ومنها مصر.
ولقد اعتمدت حالات الاستنفار أو التظاهر على القدرة على الحشود والتواجد الجماهيرى فى الميادين والساحات كوسيلة ضاغطة، على أى نظام لحملة على تلبية المطالب أو التنحى عن الحكم.
وقد تتجاوز تلك الحشود حدود التظاهر السلمى الطبيعى والمقنن إلى تعطيل الحياة واستخدام العنف وإعلان العصيان وقد تستجيب لها بعض المؤسسات التى تقوم عليها الدولة للحماية والمشاركة غير المباشرة كاستدعاء القوات المسلحة لخلخلة أى نظام وتقويض أركانه.
وقد لا يقف الأمر عند حدود إسقاط النظام وتكوين نظام جديد بالطرق التى أقرها الشعب حال قيامه بتلك الحشود التى عرفت بالمليونيات، ثم لا يستقر حال الجماهير فيتم الدعوة إلى الميادين مرة أخرى بعدة وسائل، كان آخرها حملة التوقيعات الشعبية فى مصر، والتى قامت بها كل من حملتى تمرد وتجرد ولكن دون ضابط من دستور أو قانون، يؤسس لتلك الحملات قواعد بنائها وطريقة عملها ومدى اعتماد مصداقيتها حيث نشأت مراحل التشكيك بين أطراف الصراع فى العدد والأسلوب وبغض النظر عن توجه كل منهما.
ولعل الدساتير المصرية على تعاقبها لم تتناول وتعالج تلك التوقيعات على نحو يحقق لها ما تصبو إليه من نتائج، إلا ما كان من جمع توقيع لا يقل عن عشرين ألف مواطن المنصوص عليه فى المادة 135 من دستور 2012 الخاصة، بقبول الترشح لرئاسة الجمهورية ولعدم وجود نصوص دستورية أخرى تعالج كيفية الاعتراض على أنظمة الحكم بطريق التوقيعات، إلا أنه تم الأخذ بما قامت به تلك الحملات بصفة تقديرية لتبرير ما يمكن القيام به ضد أى نظام دون سند دستورى.
ولمعالجة تلك الحملات لكى نبتعد بها عن الحشود الميدانية التى تمثل تعطيلاً لحياة الناس والبعد بالمؤسسات الرسمية عن التدخل والاكتفاء بالممارسة الشعبية باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات وله السيادة التى يمارسها ويحميها وما يسمى بالديموقراطية المباشرة، يمكن لنا أن نقترح على اللجنة المنوط بها تعديل دستور 2012م المعطل عدة نقاط تساهم فى تكوين مجتمع مستقر يعتمد على نفسه فى استخدام أدوات للتغيير دون الخروج فى الميادين ودون إزهاق الأرواح ودون تعطيل وذلك من خلال عدة نقاط منها مايلى:
أولاً: إدراج نص دستورى يقضى بحجية التوقيعات الشعبيه لاقتراح قوانين أو تعديل مادة من مواد الدستور يضاف إلى المادة 101 من دستور 2012 كأن يكون جمع توقيع مائة ألف مواطن مثلاً من المقيدة أسماؤهم فى قاعدة بيانات الناخبين وتوثيقها لدى الجهات المختصة بالتوثيق كالشهر العقارى مثلاً وبعد مراجعتها من اللجنة المختصة بالانتخابات، يتم تقديمها إلى مجلس النواب إذا كان قائماً أوالمحكمة الدستورية العليا، حين حل مجلس النواب أوالمختص بالتشريع كمجلس الدولة مع بيان طلب العديل ومبرراته وجهه اعتماده لإجراء مقتضياته.
ثانياً: إدراج نص دستورى يقضى بحجية التوقيعات الشعبية لتوجيه الاتهام لرئيس الجمهورية فضلاً عن ثلث أعضاء مجلس النواب المقرر فى المادة 152 من دستور 2012 أن يكون عشر ( 10%) من قاعدة بيانات الناخبين ولايصدر الاتهام إلا بتوقيع ثلث المقيدة أسماؤهم فى قاعدة بيانات الناخبين وينظم القانون باقى الإجراءات الخاصة بهذا الشأن.
ثالثاً: إدراج نص دستورى يقضى بحجية التوقيعات الشعبية لتوجية الاتهام لرئيس الوزراء والوزراء كأن يكون خمس ( 5%) عدد الناخبين المقيدة أسماؤهم ولا يصدر الاتهام إلا بنسبة الربع (25%) من عدد الناخبين .
رابعاً: بما أن أى دستور قد يسرى عليه التعديل من خلال أدوات سلطات قائمة تقوم به كرئيس الجمهورية أو مجلس النواب إلا أن تعطيل العمل بأحكامه لا يأتى إلا من خلال ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية ولا توجد فى كثير من الدساتير نصوض تقضى بزوالها، وهذا يستدعى أن يتم وضع نص دستورى فى الأحكام العامة والختامية تتضمن أنه لا يسرى تعطيل العمل بالدستور إلا بجمع توقيعات فى حدود الزيادة عن نصف قاعدة بيانات الناخبين أومن عدد يتجاوز الثلثين من الحاضرين فى الاستفتاء على هذا الشأن مع طرح فكرة النص على انتخاب مجلس تأسيسى للدستور مباشرة من الشعب خلال ستين يوماً من إعلان نتيجة الاستفتاء.
من خلال هذا وغيره من مقترحات تدور فى هذا الشأن يمكن أن يتحقق عدم النزول للميادين والبعد عن الحشد والحشد المضاد لأطراف الصراع السياسى وعدم استدعاء القوات المسلحة لأن الشعب هو الذى يقرر مصيره ويسمح لمن يقدر على جلب توقيعاته أن يفوز بطموحاته ولايف الأمر معه عند الانتخاب والاستفتاء بل يكون الشعب هو صاحب السلطة الأصيلة دون البديلة وتستمر عينه وتأثيره على السلطات العامة المنتخبة التى أنشأها كالرئاسه والمجالس النيابية فلا تنفرد بفعل إلا وهى واضعة نصب أعينها رغبات الجماهير التى يمكن لها فى اللحظة المناسبة أن تصحح المسار.
ومن المعلوم أن أى دستور لا يسلم من أى عوار لأنه نتاج بشرى يسرى عليه التعديل أو التعطيل، ولكن حاجة البلاد إلى دستور مستقر يتوافق عليه الجميع وإن كان صعباً إلا أن بات أمراً ملحاً لحاجة المرحلة التى تتطلب استقرار الدساتير التى تحكم البلاد لعقود من الزمن حتى إذا تغيرت الأفكار وتنوع الوعى وتعاقبت الأجيال، فإن الممارسة يمكن أن تصل بنا إلى الأقرب إلى الطريق الأمثل وإن كان البنيان فى مجمله إذا تم فإنه لابد أن يعتريه نقصان مع مرور الزمن لأنه من صنع البشر.
سلامة الرقيعى يكتب: رؤية دستورية حول التوقيعات الشعبية
السبت، 03 أغسطس 2013 09:10 ص