قال الدكتور هانى الناظر، رئيس المجلس القومى للبحوث السابق: "لا يخفى علينا جميعا الوضع الحالى المتردى الذى وصل إليه البحث العلمى فى مصر، نتيجة تراكمات على مدار سنوات طوال بسبب عدم اهتمام الدولة بالعلم والعلماء".
وأضاف الناظر فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن النظام المصرى أهمل على مدار ستين عاما قضية البحث العلمى والتعليم بشكل خطير، مما أدى إلى ما نحن عليه الآن من تأخر وضعف اقتصادى ومشاكل عديدة فى المجالات الصناعية والزراعية والصحية والاجتماعية.
وأشار الناظر إلى أن المتابع لوضع منظومة البحث العلمى يجد أننا نمتلك العديد من المراكز البحثية الموزعة على جميع وزارات مصر، غير تلك التى تتبع وزارة البحث العلمى وعلى قمتها المركز القومى للبحوث، وكل هذه المراكز تعمل فى جزر منعزلة ولا يوجد أى تكامل أو تنسيق حقيقى فيما بينها نتيجة تبعيتها لوزارات وإدارات مختلفة.
وأوضح الناظر، أنه بالإضافة لغياب سياسة واستراتيجية واضحة المعالم للبحث العلمى فى مصر، مما ترتب عليه الضعف الشديد فى الإنفاق على هذا القطاع الحيوى مع الخلل الشديد فى إدارة المنظومة بصفة عامة، نتيجة عدم الاختيار الجيد للقيادات والكوادر الإدارية المؤهلة لهذا العمل، ويضاف لذلك عدم الاهتمام بالعلماء المصريين سواء العاملين فى الداخل أو الخارج.
واستطرد رئيس المجلس القومى للبحوث السابق، أنه بالنظر إلى أوضاع العلماء الذين يعملون فى الداخل نجد أنهم يواجهون العديد من المشاكل من ناحية نظام العمل واللوائح الإدارية المكبلة لحرية البحث العلمى، هذا بخلاف المشاكل الاجتماعية وقضايا الرعاية الصحية لهؤلاء العلماء، أما هؤلاء الذين يعملون فى الجامعات ومراكز البحوث بالخارج فإنهم لا يجدون اهتماما من الدولة للاستفادة بخبراتهم من أجل دعم البحث العلمى فى الداخل.
وأكد الناظر على أن إهمال الدولة لقضية العلم فى مصر لسنوات طويلة أدى بصورة مباشرة لهجرة خيرة شباب العلماء للخارج واتجاه آخرون للانصراف عن العمل البحثى والعمل فى وظائف أخرى، حتى أن بعضهم اضطر لإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب المدارس بحثا عن دخل أفضل.
وتابع الناظر أن الدولة تنبهت خلال هذا العام لقضية دخول العلماء والباحثين فقامت بزيادة مرتباتهم زيادة معقولة إلى حد ما، ولكنها فى حدود إمكانيات الموازنة العامة للحكومة، إلا أن هذا لم يستتبعه أيضا توفير الإمكانيات المادية والمعدات والأجهزة المعملية التى تجعل هؤلاء البحاث يعملون، ويقدمون أبحاثا علمية ذات قيمة يمكن تسويقها لخدمة قضايا المجتمع صناعيا وزراعيا وصحيا، بل وتمكنهم من نشر نتائج تلك الأبحاث فى المجلات والدوريات العلمية الدولية، مما يضع مصر على خريطة البحث العلمى العالمية بل وتجعلهم قادرين على تسجيل براءات اختراع يمكن الاستفادة من العائد المادى، لبيعها فى دعم موازنات الأبحاث المختلفة.
وأوضح الناظر أن محدودية براءات الاختراع المسجلة سنويا فى أكاديمية البحث العلمى يعكس عدم قدرة البُحاث والعلماء المصريين على الوصول لاختراعات علمية حقيقية، بسبب قلة الإمكانيات المتاحة لهم من أجهزة حديثة وكيماويات ومستلزمات العمل البحثى بالإضافة إلى غياب النظام الإدارى السليم الذى يسمح لهم بالإبداع وتقديم خلاصة عقولهم وأفكارهم، ورغم كل هذه المشاكل والمعوقات إلا أننا لابد وأن نرصد بعض الإنجازات العلمية التى يقدمها عدد من العلماء المصريين فى الجامعات ومراكز البحوث، إلا أن هذه الأعمال تمثل مجهودات فردية لهؤلاء العلماء الذين يقومون بها وليست نتائج برامج وخطط بحثية للمؤسسات التى يعملون بها.
وأضاف الناظر أنه من المستحيل أن نعتبر مثل هذه النماذج الفردية تمثل حقيقة الوضع فى البحث العلمى المصرى فالمنظومة بالكامل تحتاج لإعادة النظر فى هيكلتها ونظام عملها، قائلاً: هنا أجد نفسى فى حاجة لأن أخاطب السيد الرئيس راجيا من سيادته أن يتخذ الخطوات التى ترفع من شأن البحث العلمى فى مصر وتدفع به للأمام لكى يصبح بالفعل قاطرة التنمية للاقتصاد المصرى.
وطرح الناظر على الرئيس عدلى منصور، الرئيس المؤقت، أن يبادر بتحويل وزارة الدولة للبحث العلمى لتصبح وزارة العلوم والتكنولوجيا وتكون وزارة مثل الوزارات الأخرى لها موازنة وليست مجرد حقيبة وزارية أو وزارة دولة لا تمثل أى ثقل علمى، وأن يكلف هذه الوزارة الجديدة بأن تقوم فى أسرع وقت بوضع استراتيجية وطنية للبحث العلمى مدتها عشر سنوات تشتمل على عدة بنود:
- أولها الموازنة المخصصة للإنفاق على البحث العلمى والتى تبلغ حاليا 0.2% من الناتج القومى المصرى يتم زيادتها بمعدل سنوى حتى تصل إلى 4% فى نهاية مدة العشر سنوات.
- والنقطة الثانية فى الاستراتيجية هى إعادة هيكلة منظومة البحث العلمى فى مصر، بحيث يتم ضم مراكز البحوث المبعثرة على الوزارات المختلفة لتصبح تحت مظلة وزارة العلوم والتكنولوجيا، هذا سوف يؤدى إلى تفعيل التكامل والتعاون بين هذه المراكز بدلا من الوضح الحالى الذى يؤدى إلى إهدار وقت العلماء فى مشاريع بحثية متكررة فى أكثر من جهة علمية، بالإضافة إلى تكرار شراء الأجهزة وأشياء أخرى كثيرة تؤدى إلى فقد جزء كبير من الموازنات المخصصة بالأبحاث والمعدات والصيانة، فلا شك أن وضع جميع مراكز البحوث تحت مظلة واحدة سوف يساعد الدولة على تكليف تلك الجهات بمشاريع قومية كبرى نتيجة التنسيق والترابط فيما بينها، مما يؤدى إلى وضع حلول عملية لكثير من المشاكل التى تتعرض لها البلاد فى المجالات الصناعية والزراعية والصحية.
- والنقطة الثالثة فى الاستراتيجية تختص بوضع العلماء المصريين الذين يعملون فى الداخل من ناحية الدخول والظروف الاجتماعية والرعاية الصحية والطرق التى تعمل على الارتقاء بمستواهم العلمى، من خلال المشاركة والمؤتمرات العلمية والدورات التدريبية المتقدمة كذلك توفير المناخ السليم للعمل فى الجامعات والمؤسسات البحثية، وإطلاق الحريات العلمية لهؤلاء الباحثين وسبل تشجيعهم على الإبداع والابتكار، من ناحية أخرى فلابد من وضع خطة واضحة للاستفادة من علمائنا بالخارج وتفعيل دورهم بشكل حقيقى بما يخدم قضايا التنمية من خلال إيجاد آليات محددة لجذب هؤلاء العلماء للبحث والعمل بمراكزنا البحثية وجامعاتنا المصرية، وهذا يجعلنا فى نفس الوقت نصحح مسار البعثات العلمية وتقنينها وقصرها على التخصصات النادرة بدلا من إرسال مبعوثين بأعداد كبيرة ثم نفاجأ بأن سبعين بالمائة منهم لا يرجعون للوطن مما يعنى خسائر مادية وبشرية كبيرة، أن الفترة القادمة تحتاج من إدارة الدولة التوجه نحو وضع استراتيجية وطنية للبحث العلمى واتخاذ الإجراءات المناسبة لتصحيح مسار منظومة العلوم والتكنولوجيا من أجل الوصول بالبحث العلمى للمستوى الذى يستحقه هذا البلد ويستحقه هذا الشعب العظيم.
هانى الناظر يضع خارطة طريق لتطوير البحث العلمى.. ويطالب الرئاسة بتحويل الوزارة إلى وزارة العلوم والتكنولوجيا بموازنة خاصة.. وهيكلة منظومة البحث وضم المراكز المبعثرة تحت مظلة واحدة
الأربعاء، 28 أغسطس 2013 12:04 ص