ويقول سليمان إن دمياط أو تامياتى (تامحيت) أو (ثامياتس) أو (تم آتي) تعنى بالقبطية مدينة مجرى المياه. أما اسمها العربى (دمياط) الذى اشُتهرت به فقد التحم بها بعد الفتح الإسلامى لمصر، وبقى كما كان على عهده. تتميز المدينة بروعة موقعها، وكونها ميناءً ومدخلاً رئيسيًّا لمصر ولجت منه تجارة مصر مع البلدان المتشاطئة معها على البحر المتوسط. كما ولجت منه حملات الطامعين فى إخضاع مصر عبر تاريخها الطويل. وهى على ذلك حالة خاصة على اعتبار مكانتها التى كانت تأتى فى المرتبة الثانية بعد القاهرة؛ من حيث حجمها وسكانها وأهميتها كميناء يمثل المنفذ الهام والرئيس لمصر.
تركت روعة موقع دمياط أثرًا كبيرًا على توجيه وتشكيل مسارها الأخلاقى والاجتماعى والثقافى والاقتصادى، على اعتبار أنها ثغر تعتاده عناصر بشرية مختلفة الغاية والمشرب والمنشأ والغرض من نواحى مصر المختلفة ومن خارجها من الشام والأناضول وجزر المتوسط وجنوب أوروبا، فمنهم مصريون من البحاروة والصعايدة على اتساعهم وتعددهم وتنوعهم، ومنهم مغاربة وشوام وفلسطينيون وروم وأتراك وفرنسيون وقبارصة وبنادقة وروادسة وإنجليز وكريتلية أى من كريت ومن راجوزة والبندقية ونابولى ومالطة ونواحى اليونان والبلقان والأناضول وسواحل البحر الأسود، على اعتبار وظيفتها التجارية وكونها ميناءً هامًّا ومركزًا من مراكز التجارة الداخلية والخارجية والمتوسطية والصناعية الهامة عبر تاريخها الطويل.
ويحدثنا الدكتور سليمان عن المجتمع الدمياطى واصفًا إياه بأنه مجتمع متعدد الوظائف يعشق العمل والكسب والاجتهاد؛ تنوعت حرف أهله قبل أن تتمترس وراء صناعة الأخشاب والأثاث والحلوى، ولا تبقى بعد ذلك إلا بعض الحرف الخدمية البسيطة.
ومن الحرف القديمة المندرسة فى دمياط الشعراء والأدباء والحكويون فى المقاهى والمحدثون الذين كانوا يروون السيرة النبوية والسير الشعبية لأبى زيد الهلالى، ودياب بن غانم، والزناتى خليفة، والسلطان حسن بن سرحان، والجازية، وحكايات وألاعيب على الزيبق، وعثمان بن الحبلة وغيرها. وتلك الفنون هى التى انحدر من مدرستها بعد ذلك فنانو دمياط وصوادحها رياض السنباطى ونجاة على، وعباس البليدى، وغيرهم.
أما عن الحلوى الدمياطة فيقول الدكتور سليمان إن صناعة الحلوى الدمياطية الشهيرة كانت تمثل الصناعة الثانية فى دمياط بعد صناعة الأثاث؛ مدينة لطوائف الحلوانية والزلبانية والشرباتلية والكنفانية التى أسست جذور وأسرار تلك الصناعة التى تميزت بها دمياط وغدت مشهورة بها فى كل مكان.
وقد اعتمدت جذور الصناعات الخشبية التى وصلت بالأثاث الدمياطى إلى الذروة على المستوى العالمى والمحلى الذى انتقل نقلته الكبرى فى أربعينيات القرن المنصرم على ما يزخر به ظهير دمياط الريفى من أشجار الجميز والزنزلحت وغيرها التى كانت توفر أخشابًا جيدة لصناعة السواقى والأبواب والشبابيك. والأهم من ذلك كانت صناعة المراكب الملاحية والنيلية من قياسات وأغربة وفلايك وسنابك وزهريات بدمياط وعزبة البرج والقرى المنسدحة على ضفتى النهر؛ حيث اقتضتها الحاجات الملحة على اعتبار موقع دمياط على النيل والبحر المتوسط.
ثم تقبل دمياط فى نهايات القرن المنصرم وإلى الآن على عهد جديد، واستعادة لدور وآماد كبرى مع إنشاء ميناء دمياط الجديد. وبعد كد وجهد أضحى حقيقة واقعة تزدهى بها القلوب وتستنير العقول. وافتتح أمام حركة الملاحة الدولية عام 1986م بطاقة استيعابية قدرها 5,6 مليون طن وصلت إلى 13,2 مليون طن خلال عام 1997 بما يعادل زيادة قدرها 236 فى المائة كمرحلة أولى من ثلاث مراحل. وقد أصبح ميناء دمياط على ذلك أهم موانئ شرق البحر المتوسط. وتردفه غير بعيدة عنه مدينة دمياط الجديدة توأم دمياط التاريخية وعروس المدن المصرية الجديدة الذى ينتقل بها ومعها وبدمياط وأهلها والسالكين طريقها إلى مستقبل رحيب وآمال وآماد لا عد.
جدير بالذكر أن مجلة ذاكرة مصر الصادرة عن مكتبة الإسكندرية، رئيس تحريرها الدكتور خالد عزب وسكرتيرة التحرير سوزان عابد والتصميم والإخراج الفنى لريم نعمان.


